شهد عام 2025 بروز ملامح قانون العمل الجديد في مصر، الذي يُعد من أكثر التشريعات تأثيرًا على علاقة العامل بصاحب العمل منذ عقود، سواء من حيث تنظيم العقود أو حماية الحقوق أو تقنين أشكال العمل الحديثة.
ويأتي هذا القانون في إطار توجه الدولة لتحديث منظومة العمل، وتحسين بيئة الاستثمار، وضمان التوازن بين مصالح العمال وأصحاب الأعمال، مع تعزيز العدالة الاجتماعية والحماية القانونية.
أولى ملامح القانون تمثلت في إعادة تنظيم عقود العمل، حيث اعتبر المشرّع أن العقد غير محدد المدة هو الأصل في علاقة العمل، بعد سنوات كان فيها العقد المحدد شائعًا ويُستخدم أحيانًا للتحايل على حقوق العمال.
كما نص القانون على أن عدم وجود عقد مكتوب يعني تلقائيًا اعتبار العامل في عقد دائم، وهو ما يمثل خطوة داعمة لاستقرار العامل المهني وحمايته من التقلبات التعسفية.
وفي سياق الحماية من الفصل غير المبرر، تضمن القانون الجديد واحدًا من أبرز البنود المنتظرة، وهو إلغاء استمارة 6 نهائيًا، تلك الاستمارة التي كانت تُستخدم بصورة واسعة لإنهاء علاقة العمل بشكل منفرد من قبل صاحب العمل.
كما شدد القانون على أن الفصل لا يجوز إلا بحكم قضائي أو في حالات الخطأ الجسيم الواردة حصريًا في التشريع، مثل التزوير أو الاعتداء الجسدي أو إفشاء أسرار المنشأة.
كما وضع القانون إطارًا أكثر عدالة لموضوع الأجور، بعد أن ألزم أصحاب الأعمال برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص وفق آلية سنوية ملزمة لزيادة الرواتب.
وأكد على ضرورة صرف المستحقات المالية للعامل خلال سبعة أيام فقط من انتهاء خدمته، إلى جانب وضع قواعد واضحة لحساب مكافأة نهاية الخدمة عند بلوغ سن المعاش، بما يمنع الاجتهادات الفردية.
وحصلت المرأة العاملة على نصيب مهم من التعديلات، إذ تمت زيادة إجازة الوضع إلى أربعة أشهر بدلًا من ثلاثة، قابلة للتكرار ثلاث مرات خلال فترة الخدمة، وذلك لدعم الأم العاملة وتمكينها من الجمع بين مسؤولياتها الأسرية والمهنية.
وفي ما يتعلق بساعات العمل، اعتمد القانون سقفًا يوميًا يبلغ ثماني ساعات أو 48 ساعة أسبوعيًا، مع مساحة مرونة تسمح بتعديل عدد الساعات وفق متطلبات العمل، شرط الالتزام بالحدود القانونية.
ومواكبةً للتحولات الرقمية وسوق العمل المستحدث، أقر القانون ولأول مرة الاعتراف الرسمي بالعمل عن بعد والعمل الجزئي والعمل الحر، مع وضع ضوابط تضمن حقوق العامل في هذه الأنماط الجديدة.
كما شدد على مكافحة التمييز والتحرش في بيئة العمل، وألزم المنشآت باتباع قواعد الصحة والسلامة المهنية وإحاطة العامل بالمخاطر المحتملة.
أما فيما يخص العمالة الأجنبية، فقد وضع التشريع قيودًا محددة على نسب تشغيلهم داخل المنشآت، مع اشتراط الحصول على تصاريح عمل رسمية تضمن تنظيم السوق وحماية فرص العمالة المحلية.
وفي إطار تسوية المنازعات، نص القانون على إنشاء محاكم عمالية متخصصة لضمان سرعة الفصل في القضايا، إضافة إلى تنظيم اللجوء إلى التحكيم كوسيلة بديلة لحل النزاعات.
واختتم القانون بحل تقني يعزز الشفافية عبر إنشاء ملف إلكتروني لكل عامل يحتفظ بكامل بياناته وتطور مسيرته المهنية، بما يسهم في بناء قاعدة بيانات دقيقة لسوق العمل.
بهذه التعديلات، يضع قانون العمل الجديد إطارًا أكثر توازنًا وحداثة، يهدف إلى حماية حقوق العامل، وضمان بيئة عمل آمنة، وتشجيع الاستثمار من خلال تشريع واضح ومستقر يلائم متغيرات العصر.







