كان كريستيان هورنر، رئيس فريق ريد بول ريسينج، قد شاهد للتو ماكس فيرستابين وهو يفوز بأول بطولة عالمية له في سباق الفورمولا ون في واحدة من أكثر المباريات النهائية إثارة للجدل في تاريخ الرياضة.
لكن بدلا من الاحتفال بهذا النصر، أمضى هورنر الفترة التي أعقبت السباق مباشرة في الدفاع عن موقف فريقه حينما احتج فريق مرسيدس المنافس الذي سبق له الفوز بهذه البطولة لسبعة مواسم متتالية، على النتيجة.
يقول هورنر في مقابلة له في حرم ميلتون كينيز الخاص التابع لفريق ريد بول: “بعد احتدام المنافسة في هذا الموسم، كان هناك دائما مجال لوقوع بعض الجدل”. تابع قائلا: “فهمنا الموقف بشكل صحيح، وتفاعلنا معه بشكل مناسب ثم حصلنا على النتيجة”.
وصل فيرستابن ومنافسه لويس هاميلتون من فريق مرسيدس، وهو أنجح سائق فورمولا ون في التاريخ كما تقول الإحصائيات، إلى أبو ظبي وهما متساويان في النقاط. لكن بدا أن كل شيء ميؤوس منه بالنسبة إلى فريق ريد بول بسبب سيطرة هاميلتون على سباق جراند بريكس ووضع نفسه على الطريق للفوز باللقب الثامن محققا بذلك رقما قياسيا. كل ذلك كان سيحدث إلى أن تحطمت سيارة سائق آخر أسفل الشبكة وتسبب في وقف السباق.
ما تم الكشف عنه كان دراما تناسب الجيل الجديد من المعجبين الذين نشأوا على متابعة مسلسل فورمولا ون على “نيتفلكس”، حيث أجبر الاتحاد الدولي للسيارات، الهيئة المنظمة لهذه الرياضة، على البدء بالتحقيق والاعتراف بأن تعاملهم مع الحادث كان “يشوه صورة البطولة”.
أما بعيدا عن كاميرات التلفاز، يتحلى هورنر بسلوك أكثر هدوءا مما كان عليه عندما انتقد بشدة احتجاجات مرسيدس “اليائسة” في أعقاب السباق مباشرة، مجيبا بهدوء عن الأسئلة التي تلقاها في مكتبه.
يقول هورنر (48 عاما)، ممازحا أنه لا يزال أصغر مدير لفريق في مضمار فورمولا ون عندما تم تذكيره بأنه أكثر شخص أمضى وقتا في الخدمة. في 2005، تولى هورنر منصبه وعمره 31 عاما حينما عينه ديتريش ماتيشيتز، مالك علامة ريد بول التجارية لمشروبات الطاقة، لقيادة فريق الملياردير الذي كان قد اشتراه أخيرا.
بعد أن حقق هورنر نجاحات سابقة مع فريق السباق الخاص به خارج فورمولا ون، انضم هورنر إلى “ريد بول” في وقت كانت لا تزال فيه هذه الرياضة تدار من قبل بيرني إيكلستون، الذي شبه سلطته التي كانت أعلى سلطة في السباق بحكم “الديكتاتور الرؤوف”. في 2017، كل ذلك تغير عندما استحوذت مجموعة ليبيرتي ميديا الأمريكية على السباق بصفقة قيمتها ثمانية مليارات دولار لتغير سباق فورمولا ون بطريقة توائم العصر الرقمي، حيث استثمرت في وسائل التواصل الاجتماعي وأخذت المعجبين إلى ما وراء الكواليس في سلسلة وثائقية على “نيتفلكس”.
كما يشير أحد المنافسين، استعداد هورنر للتخلي عن “ريد بول” لم يكن ليتأثر بعد مضي 17 عاما له في هذه الرياضة، وهي ميزة يستخدمها لتحفيز مختصي الميكانيك وطاقمه بينما يستخدم خبرته من أجل التغلب على التحديات الفنية للمنافسة في سباق فورمولا ون.
لكن حتى أي قائد يتمتع بخبرته لم يكن ليتوقع ذروة التنافس الشديد في موسم مليء بالاصطدامات بين فيرستابين وهاميلتون ، وهورنر وتوتو ولف رئيس فريق مرسيدس، الذين أصبحت مناوشاتهم خارج المضمار قصة بحد ذاتها على مدار العام.
تركز الجدال حول كيفية تعامل مدير السباق مايكل ماسي مع تداعيات الحادث، أجبر السائقين على اتباع ما يسمى سيارة الأمان بسرعات منخفضة من أجل ضمان حمايتهم.
يقول: “بمجرد أن تذوق طعم الفوز، كما تعلم، يكاد ذلك يشبه الإدمان. لا تريد فقدان هذا الشعور. بل تجربته مرارا وتكرارا”.
في مثل هذه المرحلة المتأخرة، عندما بدا أنه من الممكن تماما ألا يستأنف السباق، كان هورنر يعلم أنه يتعين عليه التحدث باسم فريقه.
حث ماسي عبر الراديو قائلا: “لماذا لا نخرج هذه السيارات عن الطريق؟ نحن نحتاج إلى دورة واحدة في السباق فقط”.
سمح ماسي للسيارات بالتحرك، دون تنفيذ القاعدة نفسها في أي مكان آخر على المسار، واستدعى سيارة الأمان مبكرا بدلا من الانتظار حتى نهاية الدورة التالية كما تشير القواعد.
بعد تركيب الإطارات الجديدة، ضغط فيرستابين على هاميلتون البائس، وأمر بالتحرك، ثم دافع ليجتاز خط النهاية. فاز سائق فريق هورنر ولكن ساد الارتباك بعدها حيث صعُب على المشاهدين فهم تفسير ماسي للقواعد.
قام وُلف، الذي يمتلك ثلث فريق مرسيدس، بالادعاء لاحقا أن ماسي ترك هاميلتون “دون حيلة للدفاع” مع “قراءة حرة للقوانين” التي “سرقت” الفوز من هاميلتون، على الرغم من أن فريق مرسيدس قرر في النهاية عدم الذهاب إلى محكمة الاستئناف الدولية التابعة للاتحاد الدولي للسيارات.
منذ ذلك الحين، أقصى الاتحاد الدولي للسيارات ماسي من منصب مدير السباق. لقد كان ذلك أيضا بمثابة تذكير بأن السائقين لا يحملون مصيرهم بأيديهم، لكن هورنر لم يكن ليشعر بأي ندم. يقول: “مهمتي هي أن أبذل قصارى جهدي في سبيل تحقيق المصالح النهائية لهذا الفريق وإذا لم أفعل ذلك، فإني لم أقم بعملي بالشكل الصحيح. اشتكيت كثيرا لمدير السباق في الماضي لكن شيئا لم يحدث. كنت أعلم بوجود ضغط (…) من الجانب الآخر، لذا عليك فقط محاولة مقاومة هذا الضغط”.
كان هذا أول لقب هام يحرزه هورنر منذ أن قاد فريق ريد بول إلى أربع بطولات مزدوجة متتالية في الفترة من 2010 إلى 2013، وهي فترة من النجاحات انتهت بظهور فريق مرسيدس والمدير المساهم النمساوي ولف.
من الأمور الحاسمة لكسر قبضة ولف كانت الإبقاء على فيرستابين طوال تلك الأعوام العجاف. إذا كيف أقنع السائق الموهوب بالبقاء في حين لم تستطع سيارة ريد بول اللحاق بسيارة مرسيدس؟ يقول هورنر: “لقد كان رائعا، وأتيحت له فرص عديدة للذهاب إلى فرق أخرى، لكنه بقي مخلصا ومؤمنا بالمشروع”. تابع بالقول: “أعتقد أن الاعتماد كان مبنيا على الثقة والعلاقات (…) لقد استطاع رؤية الالتزام الذي تعهد به المساهمون”.
في 2018، كان قرار الانتقال من “رينو” إلى “هوندا” بمثابة “حافز” آخر، كما يقول هورنر، حيث طورت المجموعة اليابانية محركا بمقدوره التغلب على “مرسيدس”.
في الآونة الأخيرة، كما يقول هورنر، اشتد التنافس بسبب قسم باورترينز الجديد لفريق ريد بول، والذي يقوم ببناء المحركات للفريق بعد قرار هوندا بالخروج من “فورمولا ون” في نهاية موسم 2021، ما أدى إلى المنافسة على الموظفين.
ارتفعت القدرة التنافسية بين الفريقين أكثر عندما خاض فيرستابين وهاميلتون قتالا ضاريا في بطولة عام 2021.
3 أسئلة موجهة لكريستيان هورنر
من بطلك في القيادة؟
أليكس فيرجسون، مدير فريق مانشستر يونايتد السابق.
إذا لم تكن مدير فريق، فماذا كنت ستختار أن تكون؟
مطور عقاري.
ما أول درس تعلمته في القيادة؟
لا تفترض أبدا، استمع دائما.
خارج مضمار السباق، وصل الاحتداد إلى نقطة الغليان في سباق قطر جراند بريكس، حيث اقتسم هورنر وولف المنصة في مؤتمر صحافي، وحينها تساءل رئيس ريد بول عما إذا كان تصميم الجناح الخلفي لمرسيدس قد تم صنعه لينثني بطريقة تخالف قواعد الرياضة من أجل الحصول على ميزة السرعة. لكن مرسيدس رفضت التهمة.
بينما شدد كلا الرجلين على الاحترام المتبادل بينهما، قال وولف: “ستكون المنافسة محتدمة بيننا”، بينما رد عليه رئيس ريد بول قائلا: “لست بحاجة إلى الذهاب لتناول العشاء مع توتو”.
عندما اصطدم السائقون في مضمار السباق مرة أخرى في السعودية، أخرج ولف غضبه عبر زوج من سماعات الرأس. يقول هورنر: “حقيقة أنه كان غاضبا، تعني أنه فقد السيطرة، في العلن، لم يمر بهذا الموقف من قبل، لم يتم تحديه أبدا، ولم يتم دفعه أبدا، لكننا حققنا ذلك كفريق واحد” وأضاف: “فجأة يتراءى لك توتو في حال جديدة تماما”.
لكن بأي ثمن؟ لقد فاز فيرستابين بالبطولة ولكن السؤال هو: هل صرف سباق اللقب المستنزِف انتباه ريد بول عن تحضير سيارتها الجديدة لهذا الموسم، وسط تعديلات شاملة للمتطلبات الفنية لسباق فورمولا ون؟
تساءل هورنر: “هل ستكون هناك مفاجأة غير متوقعة؟ وهل فكر شخص آخر في شيء لم نفكر فيه؟”. قال: “لدي ثقة تامة بأنه يجب أن تكون لدينا سيارة لائقة”