تُعرف “المغامرة المؤسسية اصطلاحاً بأنها الطرق التي تمكن الشركات من استكشاف فرص الابتكار الواعدة. ويشمل ذلك بناء مشاريع جديدة وتوزيع رأس المال الاستثماري عبر نماذج استثمارية مختلفة، إلى جانب إقامة شراكات استراتيجية. ومن خلال خبرتنا في العمل مع الشركات التي تستخدم هذه الأساليب، يمكننا التأكيد بأنه لا توجد صيغة واحدة لإيجاد التوازن الصحيح، بل يجب وضع رهانات متعددة.
ويعود ذلك جزئياً إلى أنه من غير السهل إطلاق مشروع تجاري جديد. كون الغالبية العظمى من الشركات الناشئة تفشل في المراحل الأولية من تصنيع المنتج، مع تقديمها الميزات الرئيسية لمنتج أو خدمة جديدة جاهزة للاختبار مع العملاء.
ووفقاً لأحدث دراسة نشرتها “سي بي للأبحاث” (CB Insights)، تباطأ نشاط رأس المال الاستثماري للشركات العالمية طوال عام 2022، مع انخفاض التمويل المدعوم برأس المال الاستثماري في نهاية المطاف بنسبة 43٪ عن المستوى القياسي لعام 2021. لكن هذا الأمر لم يمنع عدداً متزايداً من الشركات الإقليمية من المغامرة لتحقيق النمو واستخدامها كوسيلة لمعالجة المخاطر المستمرة المتمثلة في الاضطرابات التي تواجههم بسبب الأعمال التجارية والمجتمعية والابتكار التقني إلى جانب حالة عدم الاستقرار السياسي الذي نشهدها.
ومن خلال عملنا الدؤوب في منظومة العمل المغامر لدى شركة “بين” إلى جانب شركاؤنا من قادة الابتكار في الشركات وأصحاب رؤوس الأموال والشركات الناشئة، حددنا خمس رؤى يجب مراعاتها عند التعامل مع المشاريع التجارية في الشرق الأوسط هذا العام.
- الرؤساء التنفيذيون قادرون على الابتكار وتعزيزه
من أجل تعزيز محركات النمو الجديدة، يدعو قادة المشاريع إلى إنشاء ثقافة جديدة تماماً، موازية لثقافة الشركة الأم، تعمل على كسر التراتبية المهنية والدفع بعملية صنع القرار إلى أقرب ما يمكن من الصف الأمامي لتجنب بيروقراطية القيادة العليا.
إن خلق مثل هذه الثقافة يستدعي تطوير نموذج تنظيمي بارع يجد الصيغة المناسبة الجاذبة بين تطوير الأعمال بمفهومها التقليدي وتبني ثورة الأعمال الجديدة، مع تحقيق التوازن الأمثل بين الحجم والسرعة وبين الإنتاجية والإبداع.
- توجيه عوامل الابتكار المتعددة المعينة نحو موضوعات أكثر ذكاءً وقابلة للاستثمار
كما يتعين على الرؤساء التنفيذيين أن ينقلوا نموذجهم التشغيلي بعيداً عن التركيز على بناء آلة خطية ومنظمة وذات ديمومة في العمل. بدلاً من ذلك، ينبغي لهم أن يتحركوا نحو نموذج مرن يعتمد على التفكير المنظم (بمعنى تحليل شامل للتأثير الأوسع الذي يمكن أن يحدثه قرار إبداعي واحد سواءً كان داخلياً أو خارجياً). الأمر الذي يساعد على ضمان ترابط أنشطة الابتكار المختلفة، سواءً الجهود الداخلية مثل تطوير البنية التحتية الرقمية، أو الأخرى الخارجية التي تركز، على سبيل المثال، على العملاء أو استكشاف اتجاهات رأس المال الاستثماري.
وينبغي لنموذج التشغيل الجديد أن يملي كيفية اختيار أدوات الابتكار، ولا ينبغي أن يتم هذا الاختيار دون النظر في النظام البيئي للمشروع أو رؤى المستهلك. إن مقدمة ذلك هي المواءمة حول “موضوعات قابلة للاستثمار” محددة بهدف التأكد من أن الفرق تستكشف بجد واستكشاف نموذج الأعمال أو الابتكارات التكنولوجية التي تتيح الفرص المناسبة للشركة.
- قد يختلف الإلهام في عالم المشاريع، من مجرد إضفاء طابع الديمقراطي على التفكير إلى زيادة تدفق الصفقات
يمكن للموظفين والعملاء والمساهمين الآخرين أن يكونوا مصادر قيّمة لأفكار الابتكار. ومن الممكن أن يساعد مثل هذا الابتكار الديمقراطي في ضمان ملاءمة محركات النمو الجديدة للموظفين؛ كما أنه يعزز مشاركتهم، مع الاستفادة من فهم الخبراء الداخليين لأسواق وتقنيات محددة. مما يمكن قادة المؤسسة من تحديد تحديات معينة يرغبون في سماع تعليقات الموظفين بشأنها.
كما يُمكن أيضاً لفرق المشاريع في الشركات أن تتعلم من ثورة البيانات عند الاستثمار في مشروع ما. ومع ذلك، في ضوء المعلومات المنتشرة وغير الكاملة وخوارزميات التحيز، سيظلون بحاجة إلى الاعتماد على بناء العلاقات المتعاطفة والرؤى النوعية للمستهلك.
- توظيف غير متحيز مع تفكير منهجي في المواهب المغامرة
إن تفكيك وفهم النتائج التجارية والاجتماعية والبيئية والسياسية للمشروع قد أصبح الآن مسؤولية أخلاقية – وعنصراً غير قابل للنقاش ضمن أروقة مهارات تصميم الأعمال.
إذ يُعد توظيف المزيج المناسب من المواهب الداخلية والخارجية للعمل المغامر أمراً ذو أهمية، وذلك للاستفادة مما يجلبه المرشحون الداخليون للشركة الأم ومن خبرة المغامرين الخراجين التي يمكن أن يضيفها هؤلاء.
- الخلاصة في ثلاث كلمات: تقييم النجاح بالاستدامة
إلى جانب الاستثمار في الشركات المؤثرة أو بناءها، يمكن للمشاريع الاستثمارية للشركات تضمين الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في عملية صنع القرار. مهما كانت وسيلة الابتكار التي سيتم اختيارها، يجب دائماً أخذ النتائج البيئية والاجتماعية في الاعتبار لضمان أقصى قدر من التأثير المتوازن والإيجابي البيئي والاجتماعي وحوكمة الشركات.
كما تساعد الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات المضمنة في المشاريع التجارية، الشركة الأم على زيادة قدرتها التنافسية، إلى جانب نقل المعرفة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والدروس المستفادة بهدف تحقيق أهداف الاستدامة طويلة المدى.
إن مغامرة الشركات ليست مجرد قصة قصيرة، بل قد تنشئ قيمة طويلة الأجل
لا يوجد نموذج واحد يناسب الجميع لمغامرة الشركات. كون الشركات تحتاج إلى توجيه مختلف مركبات الابتكار بشكل متزامن ووضع رهانات متعددة. لذا عند اختيار موضوعات محددة قابلة للاستثمار، يجب على الشركات أن تأخذ بعين الاعتبار المكان الذي تريد أن تتبوأه ضمن سلسلة الابتكار. إذ يحتاج المديرون التنفيذيون اتباع نهج نظامي ومتعمد في المغامرة، ولكن يجب عليهم أيضاً أن يتقبلوا حقيقة أن جميع الرهانات قد تكون خاطئة. فالرغبة في المخاطرة، ربما مقابل تحويل مجال صناعتك، أمر ضروري في عالم المغامرة.
يمكن أن تكون المغامرة فوضوية وغير مستقرة وعملية بناء شخصية الشركة. فهو يوازن بين العلم والفن، ويستمد الإلهام من رؤى المستهلكين وتأثيرنا على الكوكب. ومن خلال الموهبة والعقلية المناسبة والفهم الدقيق لكل من الفرص التجارية الأساسية والجديدة، يمكن للشركات أن تتجه نحو أفضل نموذج لها، حيث تسعى إلى المغامرة بهدف وذو تأثير ممتد.
بقلم لين إريكسن، شريك مشارك في “بين آند كومباني” و “تروك ماي دوبونت فونج”، ونائب رئيس منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا للشراكات الرقمية وتطوير الأعمال لدى “بين آند كومباني”