يعد الدولار الأمريكي هو أقرب شيء لأن يكون عملة عالمية ، فهو طريقة الدفع المفضلة للمعاملات الدولية أكثر من أي عملة أخرى ، وهو عملة الاحتياط الأساسية للدول في شتى أنحاء العالم، سواء كانت صديقةً أو معاديةً. وتربط عشرات الدول حول العالم قيمة عطاءاتها المحلية به ، بحسب بلومبرج.
وتتزامن هيمنة الدولار مع صعود الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، فمنذ ذلك الحين، يعتمد المستثمرون على الدولار والأصول المقومة به، مثل سندات الخزانة الأميركية لتكون من بين أفضل سبل ادخار الثروة، سواءً في أوقات الرخاء أو الشدة.
كما أن الأصول المقومة بالعملة الأمريكية وفيرة للغاية لدرجة أنها من بين أكثر الأصول “سيولةً” في العالم ، مما يعني أنه يمكن شراؤها وبيعها بسهولة.
ويندفع الناس إلى الدولار حتى عندما تكون الولايات المتحدة نفسها في محنة ، وليس أدل على ذلك من أزمة الإسكان التي بدأت عام 2008 ، حينها ارتفع الدولار بأكثر من 26% مقابل سلة من ست عملات رئيسية أخرى في غضون اثني عشر شهراً.
كما تعود هيمنة الدولار في جانب منها إلى ضخامة الاقتصاد الأمريكي ، فحجمه يقارب إجمالي حجم اقتصادات الصين، الثاني عالمياً، واليابان الثالث، وألمانيا، الرابع، مجتمعةً ، كما يدعم ثقل الولايات المتحدة الاقتصادي أيضاً أسواق رأس المال الأكبر والأكثر سيولة في العالم ، فأسواق الأوراق المالية في الولايات المتحدة تفوق نظيراتها في البلدان الأخرى، وتحتضن العديد من أكثر الشركات قيمةً وتقدماً على مستوى العالم ، وكذلك فإن أسواق سنداتها هي الأكبر عالمياً، إذ تضخمت سوق سندات الخزانة الأميركية وحدها لتبلغ 27 تريليون دولار ، وعندما تحتاج الشركات إلى سيولة نقدية، فإنها تتجه في الأغلب الأعم إلى الأسواق الأميركية، سواءً كان ذلك لبيع الأسهم أو إصدار السندات أو الحصول على القروض.
كما يتمتع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بسجل قوي من الحفاظ على استقلاله، على النقيض من البنوك المركزية في العديد من البلدان الأخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة مستقرة مالياً فهي من بين عدد قليل من البلدان التي لم تتخلف قط عن سداد ديونها أو تعاني من التضخم المفرط ، وهذه الصفات تجعل من الدولار مخزناً جذاباً للقيمة ومن بين الرهانات الأكثر أماناً عندما تتعثر الأسواق.
ويستمد الدولار قوته أيضا من وضعه الحالي كعملة العالم الرئيسية.
وعلى الرغم من أن عملة الاحتياط العالمية تغيرت على مر القرون، فإن هذا لا يحدث عادة بدون أزمة، وتحول في الهيمنة الاقتصادية، ومرور سنوات عديدة.
ففي تسعينيات القرن التاسع عشر، بدأ الجنيه الإسترليني البريطاني يفقد بريقه بعد أن تفوقت الولايات المتحدة على المملكة المتحدة باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم ، لكن الأمر استغرق نصف قرن آخر، وحربين عالميتين، وأزمة مالية كاملة في المملكة المتحدة حتى يتمكن الدولار من الإطاحة بالجنيه الإسترليني.
وبالتقدم سريعاً إلى يومنا هذا، نجد أن العقبات التي تعترض التغيير أصبحت أكبر. وذلك لأن الموارد المالية في العالم أصبحت متماسكةً بشكل أوثق من أي وقت مضى، وهي تدور في فلك الدولار ، ومن ثم، فإن استبدال الدولار قد لا يتطلب كارثة اقتصادية أو غيرها من الكوارث الكبرى فحسب، وإنما أيضاً تغييراً شاملاً في طريقة تنفيذ المعاملات المالية.