ديفيد خياط: يجب تبني الابتكارات ومنتجات التبغ البديلة واستراتيجية “الحد من المخاطر” لتحقيق نتائج إيجابية
غيرت أسباب الوفيات في جميع أنحاء العالم حيث كانت الأسباب الرئيسية في وقت سابق تتضمن الأمراض المعدية والحوادث، لكن مع التقدم في منظومة الرعاية الصحية بات الخطر الأكبر يكمن في الأمراض المزمنة غير المعدية.
وفي تجربة تدعوا للملاحظة، تبدأ روسيا تنفيذ مشروعها الوطني لزيادة متوسط عمر السكان إلى 78 عامًا بحلول عام 2030 عبر مواجهة الأمراض غير السارية والعادات غير الصحية، وتعتزم الحكومة الروسية مع انطلاق العام المقبل 2025، بدء تنفيذ ذلك المشروع تحت عنوان “الحياة الطويلة والنشيطة”، والذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فبراير الماضي، خلال الخطاب السنوي أمام الجمعية الفيدرالية.
ويبلغ متوسط العمر المستهدف بنحو 5 سنوات عن متوسط العمر الحالي (نحو 73.41 عامًا)، مما يتطلب اتباع نهجا جديدا أكثر مرونة في منظومة الوقاية من الأمراض المزمنة غير المعدية، والتي أصبحت الآن السبب الرئيسي للوفاة والعجز بين المواطنين الروس.
ويقول ألكسندر روزانوف، مدير جمعية الخبراء الطبيين لتعديل المخاطر: “بحسب منظمة الصحة العالمية، يموت 41 مليون شخص سنويا بسبب الأمراض المزمنة غير المعدية، وهو ما يمثل 74% من إجمالي الوفيات في العالم”.
وأوضح روزانوف، أن معظم الوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة غير المعدية ترجع إلى أربع مجموعات من الأمراض هي: أمراض القلب والأوعية الدموية، والتي يموت بسببها 17.9 مليون شخص كل عام، تليها السرطانات والتي تتسبب في موت 9.3 مليون شخص. وفي المركزين الثالث والرابع تأتي أمراض الجهاز التنفسي المزمنة (4.1 مليون) ومرض السكري (2 مليون، بما في ذلك أمراض الكلى الناجمة عن مرض السكري).
كما يخسر الناتج المحلي الإجمالي العالمي حوالي 15٪ سنويًا بسبب الأمراض والوفيات المبكرة لسكان العالم فقط، وهو أعلى بعدة مرات من الخسائر المحتملة للاقتصاد العالمي من جائحة فيروس كورونا، وفقا لخبراء من شركة ماكينزي العالمية.
وكشفت العديد من الدراسات الروسية أن السبب الرئيسي للأمراض المزمنة غير المعدية هو نمط الحياة غير الصحي، ووفقا لشركة التكنولوجيا الحيوية كاليكو لايف ساينسز، التي قامت بتحليل روابط الأنساب لأكثر من 400 مليون شخص، فقد تبين أن الجينات تحدد متوسط العمر المتوقع بنسبة 7٪ فقط.
ويعد تدخين التبغ عامل الخطر الأكثر عدوانية لتطور الأمراض غير السارية، خاصة وأنه يسبب ما يصل إلى 15 نوعًا من السرطان، في حين أن حوالي 36٪ من الوفيات بين الرجال الذين تم تشخيص إصابتهم بالسرطان ترتبط بهذه العادة السيئة (التدخين). كما تعد روسيا واحدة من أكثر 5 دول في العالم يدخن مواطنوها أكبر عدد من السجائر.
من جانبه يقول روفين زيمليكمان، مدير معهد برونر لأمراض القلب والأوعية الدموية: “وفقًا لدراسة INTERHEART الدولية، فإن أكثر من 90٪ من حالات توقف عضلة القلب ترتبط بعوامل الخطر السلوكية مثل تدخين التبغ وارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة والإفراط في تناول الملح”.
لذلك فإن واحدة من أهم الإجراءات الوقائية الدورية، التي تعتزم الحكومة الروسية تطويرها ضمن المشروع الوطني المتخصص هي تحديد عوامل الخطر الرئيسية، بالإضافة إلى تذكير السكان بالمبادئ الأساسية لنمط حياة صحي وهي تشمل عدم التدخين، وعدم تناول الكحول، وممارسة الرياضة، وتناول نظام غذائي متوازن ومتنوع، والنوم الكافي ومراقبة مؤشرات الدم الرئيسية ونسبة الجلوكوز والدهون وضغط الدم.
وتركز الحكومة الروسية على استكمال المبادئ السريرية المتخصصة الحالية بأقسام تتعلق بتعديل عوامل الخطر، بما في ذلك الأقسام المتعلقة بعلاج إدمان النيكوتين، وكذلك التحكم في عوامل الخطر بما يعود بالنفع على الطرفين: الدولة وقطاع الأعمال والأطباء، والأهم من ذلك، المواطنين أنفسهم”.
من جانبه يؤكد عالم الأورام ديفيد خياط، أن 80% من الأطباء حول العالم كانوا يعتقدون حتى وقت قريب أن النيكوتين يسبب السرطان، وهو أمر خاطئ تماما. فالنيكوتين قد يؤدي إلى الإدمان، لكنه لا يسبب السرطان، وأن المسئول الحقيقي عن الإصابة بالسرطان الناتج عن التدخين هو المواد السامة الناتجة عن عملية حرق التبغ، والتي يتم إطلاقها بكميات هائلة عند احتراق السيجارة.
ويتابع د. خياط أن “المنتجات الخالية من الدخان” والتي تحتوي على النيكوتين، تمثل بديل أقل خطورة لاستبدال السجائر التقليدية في حالة عدم رغبة الشخص بالإقلاع عن التدخين تمامًا.
وتابع قائلا: “إذا كان الخطر من السيجارة التقليدية يمثل 1، فان خطر السيجارة الإلكترونية يمثل 0.02 في المنتجات التي تحتوي على النيكوتين الخالي من الدخان – مثل السجائر الإلكترونية وأنظمة التبغ المسخن – لا يوجد حرق للتبغ، وهذا هو النيكوتين في شكله النقي تقريبًا”.
وأوضح خياط، أن الاعتماد على المنتجات البديلة يطلق عليه اسم “استراتيجية الحد من المخاطر”، حيث يتضمن تقليل تأثير خطر معين على حياة الإنسان وصحته قدر الإمكان خاصة في بعض الأمور التي لا يمكن القضاء عليها في وقت قريب”. وفي السنوات الأخيرة، تم اختبار هذه الاستراتيجية وتطبيقها بنشاط في بلدان مختلفة.
على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، نشر خبراء من الكلية الملكية للأطباء تقريرًا بعنوان “السجائر الإلكترونية والحد من مخاطرها: نظرة على الأدلة”. ويخلص التقرير إلى أن أجهزة التبغ الإلكترونية تظل أداة مهمة للحد من مخاطر تعاطي التبغ، ولكن من المهم تقليل جاذبيتها وسهولة الوصول إليها.
كما نشر مركز منتجات التبغ التابع لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية تقارير حول منتجات التبغ منخفضة المخاطر في أبريل الماضي. وكان الاستنتاج الرئيسي للتقرير أنه لا توجد منتجات تبغ آمنة تمامًا. لكن منتجات التبغ التي تعتمد على الحرق هي أكثر أنواع منتجات التبغ خطورة. بينما تعتبر منتجات التبغ البديلة والتي لا تنتج دخاناُ منخفضة المخاطر عن السجائر التقليدية.
وأكد ديفيد خياط، أن المستقبل ليس في حظر المنتجات، بل في تبني الابتكارات ومفهوم الحد من المخاطر، مشيرا إلى أن الأشخاص الذين يعانون من عواقب عاداتهم قد لا يكونون راغبين أو قادرين على تغييرها. ولهذا السبب من المهم للغاية زيادة الاعتماد على مفهوم الحد من المخاطر في الوقاية من الأمراض غير السارية والتدابير المرنة. وتعد منتجات التبغ الخالي من الدخان أحد أفضل الأدوات التي يمكن استخدامها لمساعدة هؤلاء الأشخاص على الإقلاع عن التدخين.