تسابق المملكة الزمن نحو تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وفق رؤية طموحة وخارطة طريق لبناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- منطلقة من مكامن القوة التي أنعم الله بها على الوطن؛ ومترجمة على أرض الواقع ما قاله سمو ولي العهد: “دائمًا ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة”.

مما لا شك فيه أن المملكة تشهد تحولًا نوعيًا على الأصعدة كافة، بفضل ما تحقق من تقدم ملحوظ في مستهدفات رؤية المملكة 2030 حتى اليوم، عبر برامج (تحقيق الرؤية والإستراتيجيات الوطنية المتكاملة)، وقد أسهم في ذلك ما تتمتع به المملكة من ثروات بشرية وطبيعية، وقدرات استثمارية، وقوة اقتصادية، ومكانة عربية وإسلامية ودولية، وموقع جغرافي إستراتيجي.
وترسم رؤية المملكة 2030 مسارًا يُعزز التكامل بين الثقافة والابتكار، بما يواكب التغيرات العالمية المتسارعة، ويفتح آفاقًا أوسع للمواطنين والمقيمين والزوار من مختلف أنحاء العالم، وقد صُممت لتنفذ على ثلاث مراحل رئيسة، تمتد كل مرحلة منها لخمسة أعوام، وتُبنى على نجاحات المرحلة السابقة، بدأت المرحلة الأولى بإرساء أسس التحول من خلال إصلاحات هيكلية واقتصادية ومالية واجتماعية شاملة، بينما ركزت المرحلة الثانية على دفع عجلة الإنجاز وتعظيم الفائدة من القطاعات ذات الأولوية، ومن المنتظر أن تُسهم المرحلة الثالثة في تعزيز استدامة التحول واستثمار فرص النمو الجديدة.
وتزامنًا مع العام التاسع لإطلاق رؤية المملكة الواعدة والطموحة؛ يقدم “التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030 لعام 2024م”، نظرة شاملة على الرؤية، ويتناول المراحل السابقة، والمكتسبات التي تحققت، والاستعدادات للمرحلة المقبلة، إضافة إلى برامج الرؤية والاستراتيجيات الوطنية المرتبطة بها.
كما يتضمن القسم الثاني من التقرير السنوي ملخصًا تنفيذيًا لأداء الرؤية على صعيد مؤشرات المستوى الأول والثاني، ونسب التقدم الإجمالية في مؤشرات أداء برامج الرؤية ومبادراتها، إضافة إلى مقتطفات من الأداء المميز على صعيد ركائز الرؤية الثلاث: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح، فيما يتناول القسم الثالث بشكل تفصيلي أبرز إنجازات عام 2024 عبر 4 محاور: “اقتصاد متسارع النمو”، و”مجتمع متمكن”، و”وجهة حيوية رائدة”، و”رؤية مستدامة”.
وبناءً على إحصائيات “التقرير السنوي”، فإن نسبة المبادرات المكتملة والتي تسير على المسار الصحيح بلغت 85%، بواقع 674 مبادرة مكتملة، و596 في المسار الصحيح من أصل إجمالي 1502 مبادرة نشطة، كما حقق 93% من مؤشرات رؤية المملكة للبرامج والإستراتيجيات الوطنية مستهدفاتها المرحلية أو تجاوزتها أو قاربت على تحقيقها في عام 2024، منها 257 مؤشرًا تخطّت مستهدفها السنوي، و18 مؤشرًا حقق مستهدفه السنوي، كما تحققت 8 مستهدفات للرؤية قبل أوانها بـ 6 سنوات.
وحقق عددٌ من المؤشرات مستهدفات عام 2030 مبكرًا، من أبرزها تجاوز عدد السياح حاجز 100 مليون زائر، وتسجيل 8 مواقع سعودية في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وارتفاع عدد المتطوعين إلى 1.2 مليون، متخطين مستهدف عام 2030 البالغ مليون متطوع، كما بلغت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل 33.5%، متجاوزة مستهدف 2030 البالغ 30%.
وسجلت المملكة انخفاضًا تاريخيًا في معدل البطالة محققة مستهدف الرؤية البالغ 7%، وقفزت 32 مرتبة في مؤشر المشاركة الإلكترونية منذ عام 2016 لتصل للمرتبة السابعة عالميًا، متخطية مستهدفها لعام 2030 بالوصول إلى المراتب العشرة الأولى، كما قفزت 30 مرتبة في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية مقارنة بخط الأساس، لتصل إلى المرتبة السادسة عالميًا، مقتربة من مستهدف عام 2030 المتمثل في الوصول للخمس المراتب الأولى، فيما تجاوز عدد المقار الإقليمية للشركات العالمية في المملكة مستهدفه لعام 2030 بوصوله إلى أكثر من 571 شركة.
ووفق تصنيف المؤشرات المتقدمة لــــ “مجتمع حيوي”، سجلت المملكة أعلى رقم تاريخي بوصول أعداد المعتمرين إلى 16.92 مليون معتمر، متخطية بذلك مستهدف العام البالغ 11.3 مليون معتمر، وبلغت نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن 65.4%، مقارنة بـ47% في عام 2016، ومتجاوزة مستهدف عام 2025، ووصلت تغطية خدمات الرعاية الصحية إلى 96.4% من التجمعات السكانية، مقتربة من مستهدف عام 2030 البالغ 99.5%، كما ارتفعت نسبة ممارسي النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أسبوعيًا من البالغين إلى 58.5% متجاوزة مستهدف عام 2024، وارتفعت من الأطفال والمراهقين الذين يمارسون النشاط البدني لمدة 60 دقيقة يوميًا إلى 18.7%، وارتفع متوسط عمر الإنسان إلى 78.8 عامًا، مقتربًا من مستهدف عام 2030 البالغ 80 عامًا.
وتبيّن مؤشرات “التقرير السنوي” المتقدمة لـ “اقتصاد مزدهر” تضاعف إجمالي الأصول المدارة لصندوق الاستثمارات العامة بأكثر من ثلاث مرات منذ انطلاق الرؤية لتصل إلى 3.53 تريليونات ريال، متجاوزة مستهدف العام، وبلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي السعودي 47%، ومتجاوزة مستهدف عام 2024، كما تجاوزت نسبة توطين الصناعات العسكرية مستهدفها المرحلي، لتصل إلى 19.35% بعد أن كانت 7.7% في 2021.
وتتوالى الإنجازات التي حققتها رؤية المملكة في عامها التاسع، إذ ارتفع عدد العاملين في المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى 7.86 ملايين موظف، متجاوزًا مستهدف العام، وصُنفت 4 جامعات سعودية ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، وجاءت جامعة الملك سعود في المرتبة الـ 90 عالميًا، ما يجعلها أول جامعة سعودية تدخل ضمن أفضل 100 جامعة عالمية.
وتحقيقًا لمستهدف “وطن طموح” الذي حقق تقدمًا في مؤشراته، أوضح التقرير ارتفاع نسبة الشركات الكبرى التي تقدم برامج المسؤولية الاجتماعية إلى 71.67%، متجاوزة بذلك مستهدف العام، إلى جانب إسهام القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تبلغ 1%، مستهدفًا الوصول إلى 5% في عام 2030، وارتفعت نسبة العاملين فيه إلى 64%.
وحددت محاور التقرير إنجازات استثنائية في تحقيق المستهدفات، إذ يوضح تصنيف “اقتصاد متسارع النمو” تقدّم المملكة إلى المركز الـ 16 في مؤشر التنافسية العالمي، واحتفظت بصدارتها على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الاستثمار الجريء بنسبة 40%، كما تجاوز مؤشر توليد الفرص الاستثمارية مستهدف عام 2024، محققًا أكثر من 1800 فرصة استثمارية.
ومن الإنجازات الاستثنائية وفق تصنيف “بيئة ممكنة” ذكر التقرير أن عام 2024 شهد دخول مستشفى صحة الافتراضي لموسوعة غينيس كأكبر مستشفى افتراضي في العالم، وأُدرجت 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى في العالم، وحقق مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث المركز الأول عالميًا في استخدام التقنية الطبية، واُعتمدت 16 مدينة سعودية مدنًا صحية؛ لتصبح المملكة أعلى دولة في المنطقة من حيث عدد المدن الصحية المعتمدة عالميًا، وارتفعت نسبة جاهزية المناطق الصحية في المملكة لمواجهة المخاطر الصحية إلى 92%.
وتمكنت أكثر من 850 ألف أسرة سعودية من تملّك مساكنها بنهاية 2024، ونُفذت 98% من جلسات التقاضي إلكترونيًا بمعدل يتجاوز 2.3 مليون جلسة، وصدرت أكثر من 5.3 ملايين وكالة إلكترونية استفاد منها أكثر من 6 ملايين مستفيد.
وتستمر الإنجازات النوعية كذلك على الصعيد الدولي، حيث حصد الطلبة السعوديون 114 ميدالية وجائزة كبرى في أكبر مسابقتين عالميتين في مجالات العلوم والهندسة والاختراع، وهما “آيسف 2024″ و”آيتكس 2024”.
وامتدادًا لجهود تمكين الكفاءات الوطنية، تمكّن أكثر من437 ألف مواطن ومواطنة من الالتحاق بسوق العمل في القطاع الخاص خلال عام 2024، وذلك عبر برامج ومبادرات صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)، وبلغ عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص حتى نهاية عام 2024 نحو 2.4 مليون مواطن ومواطنة.
وفي إطار تعزيز دور المرأة في مواقع القيادة، بلغت نسبة النساء السعوديات في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا 43.8%، كما ارتفعت نسبة مشاركتها في سوق العمل إلى 36% بنهاية عام 2024، مقارنةً بـ 17% في عام 2017.
وفي مجال السلامة المرورية، انخفض معدل وفيات الحوادث المرورية لكل 100 ألف نسمة من 17.6 في عام 2018 إلى 12.3 في عام 2024، كما سجّل مؤشر الثقة في الخدمات الأمنية في المملكة مستوى مرتفعًا بلغ 99.85%.
وحققت المملكة مراكز متقدمة عالميًا في الريادة الرقمية، حيث جاءت الأولى في مؤشر عدد مستخدمي الإنترنت، والثاني عالميًا في مؤشر التحول الرقمي في الشركات، وكذلك المركز الثاني عالميًا في مؤشر تطوير وتطبيق التقنية.
ورياضيًا حققت المملكة ارتفاعات في عددٍ من المؤشرات، إذ ارتفع عدد الأندية الرياضية التي تتنوع ألعابها إلى 128 ناديًا، وارتفع عدد الاتحادات الرياضية إلى 97 اتحادًا، بنسبة نمو تزيد عن 200%، ووصلت نسبة السعوديات الممارسات للرياضة أسبوعيًا إلى 46%.
وفازت المملكة باستضافة منتدى “الأونكتاد” العالمي لسلاسل التوريد لعام 2026، إلى جانب تقدمها في درجة مؤشر أداء الخدمات اللوجستية الصادر من البنك الدولي لتصل إلى المرتبة 38 خلال عام 2024، وصنّف مطار الملك خالد الدولي الأفضل عالميًا في التزامه بمواعيد الرحلات.
ووفق تصنيف “وجهة حيوية رائدة”، تقدمت المملكة إلى المركز الـ 16 عالميًا في مؤشر المسؤولية الاجتماعية الصادر عن “IMD”، وتصدرت دول مجموعة العشرين في مؤشر الأمان، وفازت باستضافة النسخة الأكبر من بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034؛ لتكون أول دولة في التاريخ تستضيف هذا الحدث بمفردها (بنظامه الجديد)، وابتكرت المملكة بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية واستضافت نسختها الأولى.
واستمرارًا لنجاح المملكة في تنافسية المدن السعودية على المستوى الدولي، أُدرجت المدينة المنورة ضمن أفضل 100 وجهة سياحية عالميًا لعام 2024، ونالت العُلا أول وجهة في الشرق الأوسط معتمدة في المنظمة الدولية للوجهات السياحية “ديستينيشنز إنترناشيونال”، وتوسعت المملكة بمنح تأشيرة زيارة المملكة إلكترونيًا لتصل إلى 66 دولة، وبلغت نسبة الإنجاز في مشاريع القدية 81% في متنزه “أكواربيا”، و87% في متنزه “SIX FLAGS”، وارتفعت الإيرادات السياحية الدولية مقارنة بعام 2019 إلى 148%، وبلغ عدد زوار الفعاليات الترفيهية 76.9 مليونًا، وتصدرت المملكة دول مجموعة العشرين في نمو عدد السياح الدوليين.
كما سُجل 16 عنصرًا ثقافيًا في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي العالمي غير المادي لليونسكو، ودُشنت أول كلية متخصصة للفنون بجامعة الملك سعود، وأُدرج نموذج “علّام” ضمن منصة “Watsonx” في شركة “IBM” بوصفه أحد أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية باللغة العربية دعمًا لحضور المحتوى العربي في المنظمات الدولية.
ووفق تصنيف التقرير لـ “رؤية مستدامة”، زُرعت أكثر من 115 مليون شجرة بنهاية 2024، وبلغت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي 114 مليار ريال، وأُعيد تأهيل أكثر من 118 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة، وأُعيد توطين أكثر من 7800 حيوان مهدد بالانقراض، ودشنت أول حافلة وسيارة أجرة تعملان بالهيدروجين، وشُغّلت 4 مشاريع إضافية للطاقة المتجددة، ووصلت تكلفة إنتاج الكهرباء من المصادر المستدامة معدلات تُعد من الأقل عالميًا، وأُنشئت أول محطة تحلية في العالم تعمل بالطاقة الشمسية.
وها هي رؤية المملكة 2030 في عامها التاسع أينعت قبل أوانها، وحققت نتائج نوعية تجاوزت التوقعات، بكفاءة التخطيط، وشغف العمل، وطموح المواطن، وهذا ما أكده سمو ولي العهد -حفظه الله- بقوله: “ونحن في عامنا التاسع من رؤية المملكة 2030، نفخر بما حققه أبناء وبنات الوطن من إنجازات، لقد أثبتوا أن التحديات لا تقف أمام طموحاتهم، فحققنا المستهدفات، وتجاوزنا بعضها، وسنواصل المسير بثبات نحو أهدافنا لعام 2030، ونُجدّد العزم لمضاعفة الجهود، وتسريع وتيرة التنفيذ، لنستثمر كل الفرص ونعزّز مكانة المملكة كدولة رائدة على المستوى العالمي”.