رغم تصاعد الضغوط السياسية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اختار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) تثبيت أسعار الفائدة دون تغيير، ليُبقي النطاق المستهدف لسعر الفائدة بين 4.25 و4.50 في المئة للمرة الثالثة هذا العام.

وجاء القرار في ختام اجتماع لجنة السوق المفتوحة (FOMC) الذي استمر يومين، إذ أكد رئيس الفيدرالي جيروم باول أن الوقت لا يزال مبكراً لاتخاذ خطوات جديدة، مشيراً إلى أن تأثير الرسوم الجمركية في الاقتصاد والأسعار لم يتضح بعد. وأضاف باول: «لسنا مضطرين للتسرع، نحن في موقع جيد يُتيح لنا الانتظار والمراقبة».
في المقابل، صعّد ترامب من هجومه على الفيدرالي عبر منصات التواصل الاجتماعي، واصفاً باول بأنه «أحمق لا يفهم شيئاً»، مشيراً إلى أن التضخم «شبه معدوم»، وأن خفض أسعار الفائدة سيكون بمثابة «وقود نفاث» للأسواق.
وفي مؤتمره الصحفي، ألمح باول إلى أن الفيدرالي ربما يواجه قريباً معضلة حقيقية، وهي إذا استمرت الرسوم الجمركية الحالية، فقد ترتفع معدلات التضخم والبطالة في آنٍ واحد، ما يضع هدفَي السياسة النقدية (استقرار الأسعار والتوظيف الكامل) في حالة تصادم.
وأوضح قائلاً «قد نجد أنفسنا في سيناريو صعب حيث تتعارض أهداف تفويضنا المزدوج»، مؤكداً أن الفيدرالي قد يفضّل في هذه الحالة السيطرة على التضخم لضمان استقرار اقتصادي طويل الأمد.
معدل التضخم في أميركا
على مدار السنوات الثلاث الماضية، شهدت الولايات المتحدة واحدة من أسرع دورات التضخم صعوداً وانخفاضاً في تاريخها الحديث. فمنذ بداية عام 2021، بدأت معدلات التضخم في الارتفاع بشكل مطّرد، منتقلة من 1.4 في المئة في يناير كانون الثاني 2021 إلى ذروة بلغت 9.1 في المئة في يونيو حزيران 2022.
هذه القفزة التاريخية جاءت مدفوعة بعوامل عديدة، أبرزها اختناقات سلاسل الإمداد بعد جائحة كورونا، وزيادات حادة في أسعار الطاقة والغذاء، إلى جانب التحفيزات المالية الضخمة التي أغرقت الاقتصاد الأميركي بالسيولة.
رد الفيدرالي الأميركي، بقيادة جيروم باول، كان حاسماً عبر واحدة من أسرع دورات التشديد النقدي منذ عقود، إذ رفع أسعار الفائدة بشكلٍ متواصل بدءاً من 2022 حتى وصلت إلى نطاق 5.25 في المئة-5.50 في المئة.
هذا التشديد أسهم تدريجياً في كبح التضخم، حيث انخفضت المعدلات إلى 3.0 في المئة في يونيو حزيران 2024، وواصلت التراجع لتصل إلى 2.4 في المئة في مارس آذار 2025.
لكن رغم هذا التحسن النسبي، فإن التضخم لا يزال أعلى بقليل من المستوى المستهدف للفيدرالي البالغ 2 في المئة.
وهو ما يفسّر الحذر الشديد من جانب باول وزملائه في خفض أسعار الفائدة، رغم الضغوط السياسية المتصاعدة؛ فالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لا يفوّت فرصة لانتقاد الفيدرالي، واصفاً باول بـ«الأحمق» ومطالباً بتخفيضات فورية في أسعار الفائدة، بزعم أن التضخم قد انتهى وأن السوق بحاجة إلى دفعة نمو جديدة.
لكن الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك؛ فرغم أن التضخم انخفض فعلاً، فإن مكوناته لا تزال متقلبة، خاصة في قطاعات مثل الخدمات والسكن. وفي الوقت نفسه، فإن سوق العمل لا يزال متماسكاً، ما يجعل أي تحرك سريع نحو التيسير النقدي محفوفاً بالمخاطر من وجهة نظر الفيدرالي، إذ قد يؤدي إلى عودة الضغوط التضخمية مجدداً.
ما يزيد تعقيد المشهد هو احتمال تصاعد التوترات التجارية مجدداً مع عودة الخطاب الحمائي، ما قد يؤدي إلى ضغوط سعرية من نوع جديد.
وهو ما ألمح إليه باول عندما تحدث عن احتمال تعارض أهداف السياسة النقدية في حال ارتفعت البطالة مستقبلاً نتيجة التوترات التجارية، في وقت يحتاج فيه التضخم إلى استجابة انكماشية.