استأنفت أسواق الأسهم مسارها التصاعدي، متجاوزةً حاجز “جدار القلق – wall of worry“، على الرغم من استمرار حالة عدم اليقين التجاري والتوترات الجيوسياسية. ولم تكتفِ وول ستريت، خلال الأسبوع الماضي، بتعويض جميع خسائرها التي تكبّدتها قبل وبعد “يوم التحرير”، بل قفزت أيضاً إلى مستويات قياسية جديدة، مُبرزةً انتعاشاً في المعنويات الإيجابية في الأسواق الأمريكية.
أسعار الأسواق في ظل تقدم المفاوضات التجارية
ويبدو أن هناك تفاؤلاً كبيراً يخيّم على تقييمات السوق الحالية. ومع اقتراب الموعد النهائي الحاسم في 9 يوليو/تموز لمفاوضات التجارة، تعكس معنويات المستثمرين توقعات بإحراز تقدم في صفقات تجارية رئيسية، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين. وبينما من غير المرجح أن تؤدي هذه الصفقات إلى خفض الرسوم الجمركية إلى مستويات ما قبل عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (عندما كان متوسط الرسوم الجمركية يتراوح بين 2% و4%)، فإن الإجماع على المعيار العالمي الذي يبلغ حوالي 10% يبدو مقبولاً بشكل متزايد لدى المشاركين في السوق.
ويسهم هذا التوقع بنتيجة “أفضل من المتوقع”، وإن لم يكن السيناريو الأمثل تماماً، في تعزيز الثقة. والأهم من ذلك، أن الاتفاق الإطاري – الذي وصفته إدارة ترامب خطأً بأنه صفقة – بشأن المعادن النادرة ونقل التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين، وفّر الحافز اللازم لدفع أسواق الأسهم نحو آفاق جديدة.
في غضون ذلك، أضاف الانهيار المؤقت في المفاوضات بين الولايات المتحدة وكندا مستوى آخر من التعقيد، لاسيما فيما يتعلق بالضرائب على الخدمات الرقمية. ومع ذلك، يبدو أن هذا الانهيار كان تكتيكاً تفاوضياً أكثر منه انهياراً جوهرياً. ويبدو أن استراتيجية إدارة ترامب المتمثلة في “قلب الطاولة” قد استُخدمت لانتزاع تنازلات، وهي طريقة لاقت حتى الآن ردود فعل إيجابية من السوق.
بوادر ارتفاع في مؤشرات الأسهم الأمريكية
وتدعم المؤشرات الفنية توقعات الارتفاع. فقد سجّل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أعلى مستوى تاريخي له الأسبوع الماضي، مصحوباً بإشارة تصاعدية قوية على مؤشر القوة النسبية. وقد نتج هذا التحرك بشكل كبير عن انحسار التوترات الجيوسياسية، حتى قبل إعلان ترامب عن وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء. وعلى الرغم من التراجعات الطفيفة في منتصف الأسبوع، حافظ الاتجاه التصاعدي العام على قوته.
لا يعدّ الأداء السابق مؤشراً موثوقاً للنتائج المستقبلية.
هذا، وحذا مؤشر ناسداك حذوه، مما يعكس قوةً واسعة النطاق في أسواق الأسهم الأمريكية. ولا تزال عناوين الأخبار التجارية الإيجابية تُحفّز الأسواق، وتدفعها نحو الارتفاع في غياب أي مفاجآت سلبية كبيرة.
وعلى عكس الولايات المتحدة، واجهت الأسهم الأوروبية صعوبة في استعادة زخمها التصاعدي. وأظهرت مؤشرات مثل داكس 40، وستوكس 600، وفوتسي 100 ردود فعل فاترة، ولم تواكب الزخم الذي شهدته الأسهم الأمريكية. وقد ينبع هذا التفاوت من المخاوف المستمرة بشأن مفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأكدت تصريحات الرئيس ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع صعوبة دور الاتحاد الأوروبي كشريك تفاوضي. وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع انهيار المحادثات، إلا أن الخطر لا يزال قائماً. وكما هو الحال في المفاوضات السابقة، قد يستخدم ترامب أساليب ضغط لكسب النفوذ، مما يخلق حالة من عدم اليقين على المدى القصير في الأسواق الأوروبية.
سلام هشّ في الشرق الأوسط
في حين تجاوزت الأسواق إلى حد كبير المخاوف المباشرة المتعلقة بتوترات الشرق الأوسط، إلا أن الوضع لا يزال هشّاً. وأي تصعيد قد يكون عاملاً سلبياً، على الرغم من أن المعنويات الحالية تشير إلى أن المستثمرين أكثر تركيزاً على الفرص المتاحة من حل النزاع التجاري.
في الوقت نفسه، برز تطور مُشجع آخر من نتائج اختبارات الضغط الأخيرة التي أجراها مجلس الاحتياطي الفيدرالي. فقد أظهرت البيانات الصادرة يوم الجمعة أن جميع البنوك الأمريكية الـ 22 اجتازت الاختبار، مما يشير إلى أنها ستظل صامدة في حال حدوث ركود اقتصادي في عام 2025. وهذا يُعزز ثقة المستثمرين ويُضيف دعماً إضافياً لارتفاع أسعار الأسهم.
الأسبوع المقبل
باختصار، يبدو أن مسار الأسهم الأقل مقاومةً لا يزال صاعداً. ويدعم مزيجٌ من انحسار التوترات التجارية، والبيانات الاقتصادية المتينة، والزخم الفني القوي استمرارَ الاتجاه التصاعدي. وكما هو الحال دائماً، لا تزال المخاطر قائمة – لا سيما فيما يتعلق بمفاوضات التجارة غير المحسومة – إلا أن الوضع الحالي للسوق يشير إلى أن التفاؤل يسود.
ومن المرجح أن تركز الأسواق على صدور بيانات الوظائف الأمريكية يوم الخميس (قبل يوم واحد نظراً لعطلة الرابع من يوليو يوم الجمعة). حتى الآن، أظهر الاقتصاد الأمريكي مرونة، مما حدّ من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة، إلا أن أحدث القراءات أظهرت تراجعاً في الضغوط التضخمية وفرص عمل جديدة، مما يسمح للأسواق بمواصلة احتساب خفضين لأسعار الفائدة خلال الفترة المتبقية من العام. ومن غير المرجح أن تُغيّر بيانات هذا الأسبوع هذا الاعتقاد، مما يُرجّح أن يُعزز شهية المستثمرين في الأسهم الأمريكية.