صوّت مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على قرار خفض سعر الفائدة بمقدار رُبع نقطة مئوية ليصل النطاق المستهدف إلى 3.75-4.00 ٪، وهو التخفيض الثاني هذا العام.
وبالتزامن مع خفض الفائدة، أعلن ترامب خفض الرسوم الجمركية على الصين، في محاولة لتهدئة الحرب التجارية المشتعلة منذ أكثر من عامين، حيث خففت هذه الخطوة من حدة التوترات بين القوتين الاقتصاديتين، وأسهمت في استقرار نسبي بأسواق النفط.
وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت إلى 64.6 دولار للبرميل، فيما بلغ خام غرب تكساس 60.1 دولار، وسط تفاعل حذر من المتداولين الذين يترقبون مدى استدامة الهدنة التجارية.
في بيانه المصاحب للقرار، أشار رئيس الاحتياطي Jerome Powell إلى أن البنك المركزي لم يلتزم بتخفيض آخر في ديسمبر، مؤكداً أن القرار المقبل “ليس مفروغاً منه” وأن البيانات الاقتصادية المتاحة ضعيفة بسبب الإغلاق الحكومي، مما يزيد من درجة عدم اليقين في التقييم الاقتصادي.
القرار ينبع من توازن دقيق بين مخاوف تراجع سوق العمل وتصاعد التضخّم. فقد لفت الفيدرالي إلى تباطؤ في نمو التوظيف وارتفاع بطءاً في بعض المسارات الاقتصادية، بينما لا يزال معدل التضخم أعلى من الهدف البالغ 2 ٪ مما يدفع للحذر فيما يخص السياسة النقدية.
من جهة أخرى، كشف القرار أيضاً عن تعديل في سياسة الميزانية للبنك: فقد أعلن الاحتياطي وقف تقليص ميزانيته – أي خفض حجم الأصول التي كان يتخلص منها تدريجياً – اعتباراً من 1 ديسمبر، والبدء بإعادة استثمار أصول الدين الحكومي، في إشارة إلى مخاوف من ضغوط سيولة في النظام المالي.
على صعيد الأسواق المالية، جاء رد الفعل مختلطاً: الأسواق الأميركية شهدت هبوطاً في أسهم التكنولوجيا وبعض المؤشرات الرئيسية بعد التصريحات التي قلّلت من احتمال تخفيض إضافي قريباً.
بالنسبة للعملات، لوحظ تراجع طفيف للدولار الأميركي مقابل بعض العملات الأخرى، إذ أن تخفيض الفائدة يُضعف عادة جاذبية العملة الأميركية، لكن تصريحات الاحتياطي أعادت بعض الدعم للدولار عبر توقعات بأن السياسة قد تبقى “مشددة” نوعاً ما.
أما بالنسبة للسندات، فانخفضت عوائد السندات الحكومية الأميركية في الأجل القصير نسبياً عقب القرار، لكن التوقعات لمزيد خفض تضخّط بأن تكون محدودة هذا العام، مما حدّ من التراجع في العوائد الطويلة الأجل.
ورغم التفاؤل النسبي، تبقى مخاوف تباطؤ سوق العمل الأمريكي قائمة، فقد أشارت لجنة السياسة النقدية إلى احتمالات تراجع التوظيف، رغم بقاء البطالة عند مستويات منخفضة.
ومع تأخر صدور بيانات التضخم والتوظيف بسبب الإغلاق الحكومي جعل تقييم الوضع أكثر تعقيدا، رأى خبراء أن استمرار خفض الفائدة قد يؤدي إلى ضعف الدولار وزيادة تدفقات رؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة، لكنه في المقابل يرفع احتمالات التضخم والديون العالمية.
ويمكن القول إن هذا القرار يعكس انتقالاً من سياسة تشتدّ بوجه التضخم نحو سياسة أكثر حذراً تستجيب للضعف النسبي في سوق العمل، لكن البنك المركزي لم يلتزم بعد بمسار واضح للتيسير الإضافي، مما يعني أن الأسواق ستبقى في حال ترقّب وتتأثر بقوة بأي بيانات جديدة في الفترة المقبلة.







