بدات حياتى العملية فى واحد من اشهر البنوك التى انشات براسمال مصرى امريكى مشترك ، وكانت الادارة انذاك للجانب الامريكى . كنت وقت القصة التى سارويها ( والتى حفرت فى ذاكرتي )اعمل فى ادارة تقوم بمهمة ادارة مخاطر الاءتمان وان كان المسمى انذاك مختلفا ، وكان رئيسى المباشر شخص على قدر كبير من الاحترام والرقى والمهارة الفنية وكان بريطانى الجنسية .
اذكر ان قدمت لنا لابداء الراى دراسة ائتمانية تقترح منح ائتمان لاحد العملاء الذى كان يحظى باهتمام العضو المنتدب (وهو المنصب الاعلى فى البنك ويراسنا جميعا ) وهو ايضا لا يقل احتراما وعلما عن رئيسى المباشر – وكان لديه جنسية مصرية امريكية مشتركة . بعد دراسة الطلب الائتمانى قررنا التوصية برفض طلب العميل لاسباب فنية قام بكتابتها بمهارة المدير البريطانى . وحينما قدم الملف للعضو المنتدب ثارت ثورته ، وبعد نقاش وجدل رد كتابة على ملاحظات الرفض بانه وبالرغم من كل ما ذكر فانه يوافق على الاستجابة لطلبات العميل ، واضاف غضبا جملة تحمل الكثير من الانفعال والتحدى وكانت باللغة الانجليزية This is my shop , I run it the way I likeوالترجمة (ان هذا متجرى او دكانى اديره بالطريقة التى تروق لى ) .
حينما ارسل الملف الى المركز الرئيسى فى امريكا وقرءوا هذة الجملة كانت حديث جميع فروع البنك فى كل بلاد العالم ، وتم توجيه مذكرة شديدة اللهجة الى العضو المنتدب لتذكرته ان هذة موءسسة وليست دكان او عزبة خاصة يديرها كيفما يشاء ، وقيل ان هذة الجملة كانت سببا فيما بعد لعدم تجديد عقد العمل مع هذا الشخص رغم كفاءته ورغم الانجازات الكبيرة التى حققها للبنك خلال فترة توليه المسئولية ،ولكن كان خطاه الذى لم يغتفر انه استخدم هذا الوصف الذى تطابق مع تصرفه فى ذلك الموقف فكانت النهاية .
هنا ياتى الحديث عن هذا الاسلوب فى الادارة وهذا النموذج من المسؤولين واصحاب المناصب وهو نموذج ( صاحب الدكان او ناظر العزبة ) . هو لا يهتم بكفاءتك او انجازاتك بقدر ما يعنيه طاعتك وانصياعك لاوامره وطلباته . لا يقبل ولا يحتمل خلافا او اختلافا فى الراى – حتى لو كان الراى الاخر هو الاصوب – فهو اضعف من ذلك بكثير . معظم قرارته عبارة عن ردود افعال تسوقها انفعالاته التى تسبق تفكيره وبالتالى وارد بل معتاد ان يتراجع فى قرار كان قد اصدره بالفعل . اختياراته تحكمها مشاعره والخواطر والمصالح المتبادلة ويتراجع بل يتوارى معيار الكفاءة والاستحقاق . الحفاظ على المنصب والبقاء فيه اطول فترة ممكنة هو هدفه الاسمى ومستعد ان يفعل اى شيء وان يقدم اى تنازلات فى سبيل ذلك .
من هنا بدا وتفشى النفاق فالكل يعلم ان الاختلاف مع هذا النموذج من المديرين او المسؤوليين ( وليسوا القادة بالطبع فلا يمكن وصفهم بهذه الصفة ) سوف ياتى بعواقب وخيمة ، وبالتالى يكون السبيل الوحيد للسلامة والامان ، واكثر من ذلك لتحقيق مصالح ( ربما غير مستحقة ) هو ارضاء ناظر العزبة بل ونفاقه والتمادي والابداع فى النفاق .
الاصلاح المؤسسى والذى يعتبر نواة اى اصلاح اقتصادى يبدا باختيار وتمكين القيادات والتخلص من اصحاب الدكاكين فليس وراءهم سوى الهدم والخراب .