لا تقتصر نهضة دبي على ارتفاع ناطحات السحاب فحسب، بل تشمل أيضاً ارتفاع أعداد المليونيرات الذين يختارونها موطناً لهم. للعام الثالث على التوالي، تواصل دولة الإمارات ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية للأثرياء، حيث من المتوقع أن يستقر 6,700 مهاجر ثري في الدولة بحلول نهاية هذا العام، وفقاً لتقرير صادر عن “هنلي” (Henley Private Wealth Migration) لعام 2024.
فما الذي يدفع هذا الارتفاع في عدد المليونيرات؟ ربما تكامل مثالي بين الامتيازات الضريبية والتجارب المعيشية الفريدة، إلى جانب مكانة المدينة كملاذ آمن للثروات العالمية. ولكن جوهر الموضوع يكمن في معرفة هوية هؤلاء المليونيرات وما الذي يدفعهم للانتقال إلى دبي وتأثير وصولهم على مستقبل هذه المدينة المزدهرة.
عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي
روسيا وأوروبا الشرقية
إن الاضطرابات الاقتصادية المستمرة والشكوك السياسية في روسيا وأوروبا الشرقية تدفع العديد من الأثرياء إلى البحث عن بيئة أكثر استقراراً وأماناً. ويكشف تقرير “هنلي” أنه من المتوقع أن تفقد روسيا وحدها أكثر من 1000 مليونير بحلول عام 2024. مع زيادة المخاوف بشأن العقوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار الجيوسياسي، توفر دبي ملاذاً يتميز بالحياد السياسي والاستقرار المالي، مما يجعلها وجهة مثالية لأولئك الذين يسعون إلى حماية ثرواتهم وتنميتها في عالم يشهد تقلبات متزايدة.
أمريكا اللاتينية
ساهمت الأزمات الاقتصادية، وخاصة في فنزويلا والأرجنتين، في تفاقم الهجرة بين أصحاب الثروات الكبيرة الذين يسعون وراء الاستقرار. كما يتجه أثرياء أمريكا اللاتينية إلى دبي لمواجهة التضخم وانخفاض قيمة العملات المحلية، إذ توفر دبي عملة مستقرةً وفرصاً مربحةً ومناخاً ملائماً للاستثمار.
الهروب من أنظمة الضرائب المرتفعة
المملكة المتحدة
شهدت المملكة المتحدة موجة كبيرة من هجرة المليونيرات في عام 2024، حيث يسعى الكثيرون للهروب من الضرائب المرتفعة وعدم الاستقرار الاقتصادي. ويتجه العديد من أصحاب الثروات الكبيرة إلى وجهات أخرى تتميز بالملاءة الضريبية مثل دبي، لما تقدمه من بيئة استثمارية مشجعة وأسلوب حياة فاخر.
أوروبا الغربية
يتجه الأثرياء من الدول ذات الأنظمة الضريبية الصارمة مثل فرنسا وإيطاليا إلى دبي. ووفقاً لاستطلاع أجرته شركة “أرتون كابيتال” (Arton Capital) عام 2024، فإن 21% من الشباب المليونيرات في المملكة المتحدة وفرنسا، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، يختارون دبي كوجهة رئيسية للاستقرار. ويعود ذلك إلى سياساتها الضريبية المميزة ونمط الحياة الفاخر الذي توفره المدينة.
فرص الاستثمار وتطوير الأعمال
آسيا
تعتبر دبي مركزاً عالمياً للأعمال، مما يستقطب الأفراد ذوي الثروات الكبيرة من جميع أنحاء آسيا، لا سيما من الهند والصين وهونغ كونغ. ووفقاً لتقرير “تايلور ويسينج” (Taylor Wessing)، تقدم دبي عوائد عقارية مرتفعة تتراوح بين 5-6% مقارنة بـ 2-3% فقط في الهند، بالإضافة إلى توفير فرصة تحقيق مكاسب مالية كبيرة عند تحويل الأموال من الروبية بفضل فروقات سعر الصرف. كما أن البيئة الاستثمارية المميزة وأسواق العقارات المزدهرة في دبي تساهم في استقطاب المستثمرين من الصين وهونغ كونغ.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يهاجر الأفراد أصحاب الثروات الكبيرة من دول الجوار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى دبي بهدف الاستفادة من البنية التحتية المتطورة ومستوى المعيشة الراقي وبيئة الاستثمار المستقرة. وتتوقع شركة “سافيلز” (Savills) أن يتجاوز صافي معدل الهجرة إلى دبي خلال السنوات الخمس المقبلة نسبة 8%، مما يجعلها واحدة من أبرز الوجهات الرائدة في مجال استقطاب الأفراد على مستوى الشرق الأوسط.
التأثيرات المستقبلية على دبي
خطر النشاط الزائد
يساهم التدفق السريع للأفراد الأثرياء في نمو سوق العقارات في دبي، حيث ارتفعت أسعار العقارات والإيجارات بشكل ملحوظ. في حين أن هذا قد حفّز تطوير مشاريع جديدة، إلا أنه هناك مخاوف من النشاط الزائد المحتمل وخطر الفقاعات الاقتصادية. وقد تكون التدابير التنظيمية ضرورية لضمان النمو المستدام في سوق العقارات.
تنويع المحافظ الاستثمارية
لم يعد المليونيرات الجدد في دبي يركزون على العقارات السكنية فقط، بل يتجهون بشكل متزايد إلى تنويع محافظهم الاستثمارية. يشمل هذا التنوّع العقارات التجارية والمشاريع متعددة الاستخدامات، بالإضافة إلى الاستثمارات البديلة مثل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. يعزز هذا الاتجاه التوازن في سوق العقارات، ويخلق بيئة اقتصادية أكثر مرونة، مما يقلل من مخاطر الاعتماد المفرط على قطاع واحد.
توسيع البنية التحتية
استجابةً للزيادة المطردة في عدد أصحاب الثروات الكبيرة الجدد في دبي، تسارع المدينة بخطى حثيثة لتطوير بنيتها التحتية بشكل شامل. تشهد دبي توسعات ضخمة في نظام المترو، وشبكات الطرق، والخدمات العامة، لضمان بقائها في طليعة المدن العالمية القادرة على تلبية احتياجات سكانها وتعزيز بيئتها الاقتصادية. ستسهم هذه المشاريع في ترسيخ مكانة دبي كمركز عالمي للأعمال والحياة الفاخرة.
التنشيط الحضري
يساهم تدفق الثروات إلى إعادة تأهيل الأحياء القديمة، وتحويلها إلى مناطق حديثة نابضة بالحياة. تعزز هذه العملية من الرونق الجمالي للمدينة التي ترتقي بجودة الخدمات، مما يجعل دبي أكثر استقطاباً للأشخاص الراغبين بالإقامة فيها والمستثمرين الجدد على حد سواء. إن تجديد هذه المناطق يعزز مكانة دبي كمدينة عالمية تتسم بالتطور الدائم.
إن نجاح دبي في استقطاب المزيد من المليونيرات في عام 2024 يعيد تشكيل اقتصاد المدينة. ومع أن هذا التدفق الكبير للثروات يوفر فرصاً هائلةً للتنمية والاستثمار، فإن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على التوازن بين النمو السريع والاستدامة على المدى الطويل، لضمان ترسيخ مكانة دبي كوجهة عالمية للثروات والابتكار.