بدأ الذهب والفضة الأسبوع بزخم أقوى، مواصلين انتعاش يوم الجمعة الماضي، في إشارة إلى استمرار إقبال المستثمرين على المعادن الثمينة رغم صعود جديد في عوائد السندات.
ويأتي ذلك في ظل خلفية اقتصادية متشابكة: تباطؤ واضح في وتيرة النمو الأمريكي، يقابله تقدّم سياسي نحو إنهاء الإغلاق الحكومي في واشنطن.
إن إنهاء الإغلاق يحمل أهمية مزدوجة؛ فمن ناحية يسمح بعودة صدور البيانات الرسمية، ما يمنح اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة رؤية أوضح قبل اجتماعها في ديسمبر. السوق ما يزال يسعّر احتمالاً ملموساً لخفض الفائدة الشهر المقبل، وقد تعزز عودة البيانات هذا التوجه، خاصة بعد ضعف مؤشرات التوظيف وثقة المستهلكين الأسبوع الماضي.
لكن الأهم أن إعادة فتح الحكومة ستعيد تركيز الأسواق إلى المسار المالي الأمريكي المتدهور — وهو ملف بات من الصعب تجاهله.
عجز متزايد وسياسات متضاربة
تسجل الولايات المتحدة حالياً عجزاً يقارب 6% من الناتج المحلي الإجمالي في وقت تظهر فيه مؤشرات الإرهاق الاقتصادي بوضوح. فقد تراجعت ثقة المستهلكين بحسب مسح جامعة ميشيغان، فيما تشير المؤشرات المستقبلية للنشاط إلى مزيد من الضعف.
وفي هذا السياق، يثير إعلان خطة توزيع “عائد الرسوم الجمركية” البالغة 2000 دولار للأسر ذات الدخل المنخفض — والممولة فعلياً من عائدات الرسوم والاقتراض الإضافي — قلقاً واسعاً، إذ إنها تضخ مزيداً من السيولة في اقتصاد يعاني تضخماً عنيداً وتراجعاً في الطلب، مما يهدد بتفاقم الاختلالات بدلاً من معالجتها.
السندات تدق ناقوس الخطر
ارتفعت عوائد السندات في بداية تداولات الأسبوع، لكن هذا الارتفاع يعكس قلقاً مالياً أكثر من كونه دليلاً على قوة الاقتصاد.
فعندما ترتفع العوائد بسبب مخاوف الاستدامة المالية وتزايد احتياجات الخزانة للتمويل، غالباً ما تستفيد المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة، باعتبارها ملاذاً من اضطراب الثقة في السياسة المالية.
ويستمر هذا التباين في دعم مرونة المعادن حتى في أيام ارتفاع العوائد الاسمية.
التحليل الفني: الذهب والفضة
من الناحية الفنية، اخترق الذهب مستوى المقاومة عند 4045 دولار، متجهاً لاختبار مستوى تصحيح فيبوناتشي 38.2% من موجة الهبوط في أكتوبر، قرب 4075 دولار، وهو ما يتطابق مع المتوسط المتحرك لـ21 يوماً، مؤشر الزخم قصير الأجل.
أما الفضة، فتتحرك بزخم أقوى بعد تجاوزها المقاومة عند 49.30 دولار، مستهدفة المستوى النفسي والفني الهام عند 50 دولار.
ورغم ارتفاع التقلبات في سوق الفضة هذا العام، فإن العوامل الأساسية — من طلب قوي وشح المعروض المادي وتزايد المراكز المضاربية — ما تزال تحافظ على الاتجاه الصعودي المتوسط الأجل.
بوجه عام، تظل البيئة الكلية داعمة للمعادن الثمينة، إذ يزدهر الذهب والفضة في فترات تتسع فيها مخاطر الاقتصاد الكلي لتشمل المصداقية المالية والمخاطر السياسية، لا التضخم والسياسة النقدية فحسب. ومع ميل الاحتياطي الفيدرالي نحو موقف أكثر تيسيراً إذا استمرت البيانات الضعيفة، تبقى الحجة الاستثمارية للمعادن متماسكة.
مخاطر الرسوم الجمركية وارتداداتها المحتملة
في حال رفض المحكمة العليا الأمريكية لرسوم ترامب، قد تشهد الأسواق تقلباً حاداً وتحولات ملموسة، إذ سيُنظر إلى الإلغاء كنوع من خفض الضرائب، ما يعزز ثقة الأسهم ويهدئ التوترات الجيوسياسية.
لكن في المقابل، سيؤدي القرار إلى تفاقم أزمة الدين الأمريكي — وهو العامل الذي دعم استثمارات المعادن الثمينة خلال العامين الماضيين.
شهدت الأسواق في مايو ذروة تاريخية قرب 3500 دولار للذهب، تبعتها فترة تجميع دامت أربعة أشهر قبل أن يعود الزخم في أغسطس دافعاً الذهب إلى 4400 دولار والفضة إلى 54.50 دولار، قبل أن يتراجعا بنحو 11.3% و16.4% على التوالي.
وبينما نتوقع أن يقترب الذهب من 5000 دولار خلال الاثني عشر شهراً المقبلة والفضة من 65 دولار، نتحفظ في توقع عودة فورية إلى القمم السابقة.
أما في حال حدوث صعود مباشر، فسيعكس ذلك طلباً استثنائياً وقوة كامنة في تغير نظرة المستثمرين إلى المخاطر العالمية.







