الرئيس التنفيذي
أشرف الحادي

رئيس التحرير
فاطمة مهران

جيل مفكك غير مترابط

بقلم مي السيد، عضو لجنة NextGen MENA، أخصائية علاج بالتنويم الإيحائي مع مهارات علاج نفسي، كاتبة ومديرة علاقات عامة لدى شركة سفن ميديا.

كيف “تطورنا” لنصبح جيلاً وحيداً إلى هذه الدرجة؟ هو أحد الأسئلة التي راودتني من بين الكثير من الأفكار الأخرى. لماذا يصعب على المرء أن يجد علاقة حقيقية وقوية وقائمة على الالتزام في عصرنا هذا؟ هل حقاً فقدنا قدرتنا على التواصل والحب وإظهار عواطفنا لبضعنا البعض؟ كيف يمكن لنا أن نتمنى جميعاً الحصول على علاقة حب صحية طويلة الأمد دون أن نكون قادرين على الحب بشكل صحيح؟ ما الذي تعنيه كلمة “حب” أساساً؟

خلال العام الماضي، هناك عدد كبير من الأسئلة التي شغلت تفكيري، ولذا أسرعت بالبحث عن تفسير علمي ومفهوم واضح عن “الحب وكيفية الحفاظ على علاقة صحية” استناداً إلى آراء الباحثين والخبراء والمحللين في مجال علم النفس. لقد كنت ساذجة بعض الشيء عندما ظننت أن الأمر بسيط إلى حد ما، حيث تُثائب الظروف أن يجتمع شخصان في هذا العالم ويبدآن بالتواصل وخلق ذكرياتهما، ليقعوا بعدها في الحب ويقرران إكمال حياتهما معاً. ولكن لابد أن مسار تفكيري في هذا الموضوع كان بسيطاً أكثر من اللازم للإجابة على جميع أسئلتي.

عندما سألت الناس حول كيفية تعريفهم للحب، حصلت على مجموعة متنوعة من الإجابات، بعضهم من قال أنه “الشعور بالطمأنينة مع الطرف الآخر”، والبعض منهم أجاب أنه” كل ما يمكنك التفكير به هو ذلك الشخص”، ومن بين الإجابات الأخرى كان “عدم إمكانية تخيلك إيذاء الشخص الذي تحبه”، وأذكر أيضاً “تبدأ حياة الشخصين بالتمحور حول بعضها البعض”. لكن بالنسبة لي ، كل ما سبق بدا وكأنه الحزمة التي تأتي مع الحب، حيث لم أحصل في الواقع على تعريفٍ صريح لما يعنيه الحب.

وعندما سألت نفسي السؤال ذاته، أخذني تفكيري إلى علم الأحياء البشري، كيف أنه عند التقائنا بشخص جديد، يبدأ نظامنا الحيوي بإطلاق هرمونات السعادة مثل الدوبامين والإكسيتوسين. لكن، هل هذا يعني أن الحب ما هو إلا شكل آخر من أشكال الإدمان (النفسي)؟ عندما بحثت أكثر حول هذا الموضوع، وجدت أن بعضاً من الأشخاص المختصين في هذ المجال لديهم فرضية مماثلة إلى حد ما. فعلى سبيل المثال، قالت هيلين فيشر، إحدى أبرز علماء الأنثروبولوجيا في أمريكا: “إدمان الحب شيء حقيقي، مثله مثل أي إدمان آخر من حيث أنماط السلوك وآليات الدماغ. يظهر على العشاق المتيمين كل الصفات الأربع الأساسية للإدمان: الرغبة (الاحتياج)، والاعتياد، والانسحاب، والانتكاس”.

ولحسن الحظ، تمكنت من إيجاد تفسير ملائم يجيب عن تساؤلاتي حول ماهية الحب ولماذا أصبحنا وحيدين (أو منفصلين). بيل هوكس، إحدى الباحثين في المجال، أعطتني نظرة ثاقبة عن سبب فقد “الحب” معناه الثمين بمرور الوقت، حيث اتخذت هوكس في تحديد ماهية الحب نهجاً معكوساً يتمثل في معرفة السبب وراء خلط الكثيرين بين الحب والعديد من المشاعر الأخرى غير السارة. ولحسن الحظ، صاغت هوكس مصطلح التركيز الفكري ((cathexis الذي يشرح كيف أنه عند انجذابنا نحو أشخاص محددين، فإن تواصلنا معهم يكون كنوع من الاستثمار. إن معظمنا يخلط بين التركيز الفكري والحب، فعند استثمارنا عاطفياً في أناس آخرين، نصر على أننا نحبهم حتى لو تسببوا في أذية مشاعرنا أو لم يعاملوننا بشكل صحيح، وعندها نبدأ بغض النظر عن إساءاتهم العاطفية لنا لأنه لا يمكننا أن نتقبل حقيقة أن يضيع استثمارنا فيهم سدىً. وهذا الأمر يحدث على الرغم من أننا نعلم باللاشعور أن الحب والإساءة لا يمكن أن يتعايشاً معاً.

إن الدروس التي نتعلمها عن الحب بشكل عام خلال مرحلة طفولتنا يمكن أن تكون السبب وراء ذلك، فغالبيتنا قد تعلم الحب في هيئة الثواب والعقاب، فعند عدم إرضاء والدينا نعاقب على ذلك، أما عند اتباعنا القواعد المطلوبة وفعل الصواب في ما يطلب منا، نكافأ بكثير من الاهتمام والكلمات الودودة اللطيفة، وهذا الأمر يزرع في عقولنا فكرة أن الحب دائماً مشروط بفعل ما يراه الآخرون صحيحاً أو مناسباً لهم.

وظاهرة أخرى مثيرة للاهتمام بشكل لافت هي كيفية ربط العديد من الأُسر بين سوء المعاملة والإهمال العاطفي مع الحب! حيث يتم إخبار الأطفال أن العقاب الذي يتلقونه من أهلهم ما هو إلا بدافع الحب والاهتمام، وهذا ما نحن بحاجة ماسة إلى إيقافه بشكل نهائي، لأن ذاك الأمر يؤثر سلباً على قيمة الحب ويجعله متلطخاً بالإساءة (العاطفية والجسدية) والإهمال.

من ناحية أخرى، إن الآباء الذين يعلمون أطفالهم كيفية رسم حدود لتصرفاتهم ويربوهم على الانضباط، فإنهم يضعون أساساً صحيحاً كي يفهم أولادهم الحب بشكله السليم عند بلوغهم. ولا يمكننا بالطبع تجاهل أن تعليم الانضباط دون عقاب ليس بالأمر السهل خاصةً وأن كلا المصطلحين مرتبطان بشكل وثيق بطريقة غير صحيحة. ولكن على الرغم من ذلك، يمكن تعليم الأطفال الانضباط بشكل صحيح مثل توضيحنا لهم ضرورة الاغتسال بعد انتهاء وقت اللعب من بين أمور أخرى، بحيث نقدر من خلال هذه الأمور تعليم الأطفال كيفية تحمل مسؤولية قراراتهم وأفعالهم. إن نشأتنا لنعرف كيفية نرسم حدودنا سواء كانت بطريقة تعاملنا مع الآخرين أو تعاملهم معنا، هي أمر بالغ الأهمية حيث يمكنها بناء أو كسر أي علاقة مستقبلية.

تعد الرابطة بين الوالدين والطفل مهمة جداً بحكم أنها تحدد الأساس الذي يبنى عليه الفرد وبالتالي قدرته على منح الحب وتلقيه. والعديد منا يقوم باختيار شريك حياة يستطيع أن يحبنا بنفس الطريقة التي اعتدنا عليها في صغرنا، لذلك ينتهي الأمر بنا بالوقوع في علاقة تحمل نفس الطابع والديناميكية لتلك التي كانت تجمعنا بوالدينا.

كما لا يمكننا إنكار أنه يتم إضفاء الطابع الرومانسي على الحب لدرجة أننا نفكر فيه على أنه شعور لا نملك السيطرة عليه. ولكن إذا ما نظرنا إلى المشاعر من خلال زوايا مختلفة لكيفية تأثير أفعالنا على الطريقة التي نشعر بها، فيمكننا تلقائياً التخلص من الافتراض القائل بأن الحب هو شيء نقع فيه دون أي إرادة أو اختيار. والحقيقة هي أن الحب هو “امتلاك الإرادة لتغذية حاجتنا الروحية وحاجة شخص آخر”، والسبب وراء ابتعاد الكثير منا عن هذا التصور لأنهم يفترضون تلقائياً المساءلة والمسؤولية، ليس فقط عن أفعالنا ولكن أيضاً عن نوايانا التي توضح كيف نتصرف.

تصف هوكس الحب بأنه “مزيج من الثقة والالتزام والرعاية والاحترام والمعرفة والمسؤولية”. ويجب أن تكون هذه الصفات موجودة بشكل أساسي داخلنا كي نستطيع توسيعها إلى الآخرين بطريقة صحية، خاصةً إذا حددنا وجود “قلب جريح”. نحن بحاجة إلى ممارسة المعنى الحقيقي لحب واحترام الذات حتى نتمكن من حب الآخرين بطريقة صحية. وفي هذا الخصوص، قام ناثانيال براندن، وهو معالج نفسي كندي أمريكي، بتبسيط مصطلح تقدير الذات من خلال ست ركائز أساسية: العيش بوعي، وقبول الذات، والمسؤولية الذاتية، وتأكيد الذات، والعيش لهدف، وممارسة النزاهة الشخصية.

في الختام ، فإن حب أنفسنا أولاً يمنح طفلنا الداخلي الحب غير المشروط الذي نتوق إلى تلقيه الشخص الآخر. هذا ينقذنا من أن نكون في علاقة اعتمادية أو علاقة منفصلة ذات ديناميكية قوة ولكن غير صحية. فعندما نعامل أنفسنا بحب ونزاهة، ينعكس ذلك تلقائياً على علاقتنا بالعالم الخارجي.

أخبار ذات صلة

أهم تطورات الأسواق العالمية فى الفترة من 5 الى 12 إبريل 2024

أسعار النحاس تقترب من أعلى مستوياتها في عامين

الذهب يرتفع إلى 2300 دولار، فماذا بعد؟

الحلول البيومترية هي الركيزة الأساسية في استراتيجيات وخطط التحول والسفر الرقمي في قطاع الطيران

شبكة الجيل الخامس تساهم في تخطي الحواجز وتعمل على إعادة تشكيل مستقبل الألعاب

 الاستفادة من تقنيات المستقبل: الدور المتنامي للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في رسم مستقبل قطاع العقارات

الأولويات الخمسة للمدير التنفيذي للمشتريات في عام 2024 والسنوات المقبلة

تأثير ارتفاع أسعار الكاكاو على الأسواق العالمية

آخر الأخبار
أهم تطورات الأسواق العالمية فى الفترة من 5 الى 12 إبريل 2024 اندرايف تحتفل بالسائقين الفائزين في مسابقة العمرة مدبولي: الأحد تطبيق خفض سعر رغيف الخبز السياحي في الأسواق رئيس الوزراء: الأسعار ستأخذ مسارًا نزوليًا وستستمر في التراجع خلال الفترة المقبلة الخارجية الأمريكية تعلن استخدام الفيتو ضد الاعتراف بدولة فلسطين فى مجلس الأمن منظومة الملاحة الجوية ودورها في إدارة الحركة الجوية المصرية خلال لقاء إعلامي وزيرة التخطيط تشارك في جلسة بعنوان "تعزيز النمو الشامل والمساواة بين الجنسين” إيرادات ضخمة لفيلم شقو للنجم عمرو يوسف مدبولي: لم نخرج من الأزمة الاقتصادية وعام 2024 سيشهد التعافى الكامل وزير المالية: نعتز بنجاح دولة الإمارات الشقيقة فى استضافة «COP 28» رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل بنك saib يطلق شهادات ادخارية جديدة بعائد يصل إلى 23% شعبة المستلزمات: الإفراج عن كل المستلزمات الطبية بالموانئ يخفف معاناة المواطنين أومودا وجايكو تستقطب اهتماماً عالمياً استعداداً لمشاركتها في معرض بكين للسيارات 2024 الأكاديمية العربية تختتم فعاليات البطولة الدولية للبرمجة ICPC مرعي البريمو يتصدر نسب المشاهدة فى مصر.. تفاصيل كولر يعقد محاضرة فنية للاعبى الأهلى ويتدرب على ملعب مازيمبى كاسبرسكي تحذر من برمجيات سرقة البيانات التي تستهدف بيانات تسجيل الدخول نجري من اجل صحة أفضل"ماراثون الاتـــحاد المصـــري للتأميـــــن في نسخته الخامسة المالية: الآفاق الاقتصادية لمصر أكثر استقرارًا وتحفيزًا للنمو والتنمية وخلق فرص العمل