بقلم نضال أبوزكي، مدير عام مجموعة أورينت بلانيت
يُعد الأمن الغذائي من أبرز التحديات التي تواجه الدول العربية في الوقت الحالي، فالتغيرات المناخية والتدهور البيئي والنمو السكاني السريع والأوضاع الاقتصادية الصعبة هي أبرز العوامل التي تؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي والغذائي لهذه الدول، وقدرتها في تلبية حاجات مواطنيها من الغذاء.
ويعاني نحو 52 مليون شخص في العالم العربي من الجوع ونقص التغذية، وتصل نسبة الأشخاص الذين يعانون من الجوع في بعض الدول العربية إلى 30%، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا في تحقيق الأمن الغذائي. ويعتبر الإنتاج الزراعي من أهم التحديات، ولا يزال يعتمد بشكل كبير على الموارد المائية المحدودة، حيث إن نسبة الأراضي المروية في الدول العربية لا تتجاوز 17% من إجمالي المساحة الزراعية. كما أن نسبة النمو الاقتصادي في الدول العربية قد تراجعت في السنوات الأخيرة، مما أثر سلبًا على قدرتها في تلبية احتياجات المواطنين من الغذاء.
وتشكل التغيرات المناخية تحدياً آخر في مجال الأمن الغذائي، حيث تؤدي الزيادة في درجات الحرارة والجفاف وتغير نمط الأمطار وارتفاع مستويات البحر وتدهور جودة التربة، إلى تراجع الإنتاج الزراعي وانخفاض نوعية المنتجات الزراعية، وبالتالي التأثير سلباً على الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية وجودة الموارد المائية، وتؤدي إلى نقص في الإمدادات الغذائية وزيادة الجوع والفقر.
وفي معظم الدول العربية، تسببت الإجراءات والتدابير الاحترازية نتيجة انتشار جائحة كوفيد-19 إلى تعرض سلاسل التوريد للعديد من الصعوبات، والذي أثر بدوره على إنتاج وتوزيع الغذاء وتوقف بعض الأنشطة الزراعية، الأمر الذي أدى إلى نقص في الإنتاج وتضرر بعض القطاعات الزراعية والصناعية. وفي الوقت نفسه، أدى تراجع النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة إلى تفاقم أزمة الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي، ما جعل بعض الفئات الفقيرة والمهمشة أكثر عرضة للجوع ونقص التغذية. وبالإضافة إلى ذلك، تسببت الأزمة في زيادة التضخم وارتفاع أسعار الغذاء وزيادة الضغوط على الفئات الفقيرة والمحتاجة.
وفي أوائل عام 2022، شهد العالم أزمة في إمدادات الغذاء بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والتي أدت إلى تراجع كبير في إنتاج الحبوب والمحاصيل الزراعية. وتشير بعض التقارير والتحليلات إلى أنه في الأسابيع الأولى من الحرب، ارتفعت أسعار الحبوب في الأسواق العربية بنسبة تتراوح بين %20 إلى 50%. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو”، فإن أسعار الحبوب في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا ارتفعت بنسبة 22% في الفترة من ديسمبر 2021 إلى فبراير 2022.
كما أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تفاقم الأوضاع الغذائية في المناطق المتضررة، مما جعل الحصول على الغذاء صعبًا بشكل متزايد، وأثّر ذلك بشكل كبير على سلاسل الإمداد. وتشير التقارير العالمية إلى أن الحرب أفضت إلى زيادة حادة في أسعار الغذاء في المناطق المتضررة، مما تسبب في تفاقم الأمن الغذائي وتعزيز الفقر والجوع.
وتعاني الدول العربية من ارتفاع فاتورة استيراد الأغذية من الخارج بالعملة الصعبة بشكل متزايد. ووفقاً لتقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، تصل قيمة فاتورة استيراد الدول العربية من الأغذية نحو 100 مليار دولار سنوياً.
وتستورد الدول العربية نحو 63.5% من احتياجاتها من القمح، و75% من الذرة، وهو المكون الأكبر للأعلاف اللازمة لإنتاج اللحوم الحمراء والدواجن، و55% من الأرز، و65% من السكر، و55% من الزيوت النباتية، وذلك بحسب تقرير أوضاع الأمن الغذائي العربي، الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية.
وعلى الرغم من تحديات الأمن الغذائي الكبيرة التي تواجه الدول العربية، إلا أن هناك جهودًا كبيرة تبذل لتحقيق الأمن الغذائي وزيادة الإنتاج الزراعي، حيث تشهد بعض الدول نمواً ملحوظاً في الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية، وزيادة الإنتاجية والفعالية في استخدام الموارد الطبيعية.
وتصدرت دولة الإمارات ترتيب الدول العربية على مؤشر الأمن الغذائي خلال الربع الثاني من 2022، بعد أن حلّت في المركز 26 على العالم، تليها قطر في المرتبة الثانية عربيًا و29 عالميًا، ثم البحرين في الترتيب الثالث عربيًا و30 عالميًا وعُمان في المركز 41 والجزائر 43 ثم السعودية 44 على مستوى العالم.
ويعتبر التحول الرقمي في القطاع الزراعي خطوة هامة نحو تحقيق الأمن الغذائي وتحسين الإنتاج الزراعي في المنطقة العربية، حيث يساهم في تحقيق زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل، وتقليل التكاليف والتسهيلات في الإدارة الزراعية، وتقليل التأثير البيئي للزراعة. ومع ذلك، فإن التحول الرقمي في الزراعة يتطلب استثمارات كبيرة في التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وتدريب المزارعين والعاملين في القطاع على استخدام هذه التقنيات الحديثة.
وتعاني الدول العربية من تحديات عديدة في تطبيق التحول الرقمي في القطاع الزراعي، بما في ذلك نقص الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، ونقص التدريب والتوعية بشأن هذه التقنيات، وتحديات أخرى في توفير البنية التحتية اللازمة لدعم هذه التقنيات. ومع ذلك، فإن هناك بعض الأمثلة الناجحة في العالم العربي، مثل تطبيق تقنيات الري بالتنقيط في مصر وتونس، واستخدام الروبوتات في جني الفواكه في دولة الإمارات.
وتحتاج الدول العربية إلى العمل على تحسين بنية التكنولوجيا الرقمية وتعزيز الوعي بأهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة، ومن المهم أن تشمل هذه الجهود توفير التدريب والدعم الفني للمزارعين لتحسين فهمهم للتقنيات وتطبيقها بطريقة صحيحة. كما يجب تطوير التشريعات واللوائح لدعم التحول الرقمي في الزراعة، وتسهيل إنشاء المزارع الذكية وتوفير الدعم الحكومي لها. ويجب على الحكومات والمؤسسات الخاصة تحسين البنية التحتية للاتصالات لتوفير شبكات اتصالات عالية السرعة والجودة، وذلك لتمكين تطبيقات التحول الرقمي في الزراعة، بالإضافة إلى تقديم التدريب والتوعية للمزارعين والعاملين في القطاع الزراعي حول كيفية استخدام التقنيات الرقمية وتطبيقها بطريقة فعالة ومجدية. ويمكن أن تساعد التقنيات الرقمية في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات الزراعية، وتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة في استخدام الموارد الطبيعية.
وتساعد التقنيات الحديثة مثل تحلية المياه واستخدام الأسمدة الحيوية في تحقيق نتائج إيجابية في الإنتاج الزراعي، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتحسين جودة المنتجات الزراعية المتاحة للمستهلكين. وتشارك العديد من الدول العربية في برامج دعم الإنتاج الزراعي والاستثمار في التقنيات الحديثة لتعزيز الأمن الغذائي.
علاوة على ذلك، تعمل الدول العربية أيضًا على تحسين البنية التحتية اللوجستية وتوفير الخدمات اللوجستية المناسبة، مما يساعد على توفير المواد الغذائية للمستهلكين بسهولة وأمان، ويسهم في الحد من الهدر الغذائي.
وعلى الرغم من هذه الجهود الحثيثة، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة وتشمل تغيرات المناخ والجفاف وتلوث المياه والتربة وغيرها من العوامل البيئية والاقتصادية التي تؤثر على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي. لذلك، يتعين على الدول العربية العمل على تعزيز الأمن الغذائي، من خلال تحسين إنتاجها الزراعي وزيادة الاستثمارات في هذا المجال وتنمية الموارد الطبيعية وتطوير التكنولوجيا وتحسين نظم الإدارة الزراعية والتجارية.