أظهرت دراسة حديثة أصدرها مجلس الكود الدولي مدى أهمية قوانين البناء الدولية في تعزيز سلامة ومتانة المباني لمواجهة التغيرات المناخية المتزايدة. تزامنت هذه الدراسة مع تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة لأغزر كمية هطول للأمطار منذ 75 عامًا في أبريل 2024، مما أسفر عن تأثيرات بيئية ملموسة على البنية التحتية والمباني. وأكدت على أن سلامة المباني أصبحت مسألة فورية وضرورية تتطلب اهتماماً فائقاً، خاصةً مع استمرار التغيرات المناخية وتطورها. أشارت كذلك إلى أهمية تحديد المخاطر المناخية والاستعداد لها، بما في ذلك الاستثمار في التكيف مع هذه التغيرات واعتماد تقنيات ومواد بناء جديدة.
كما أشارت الدراسة إلى أن قوانين البناء الدولية، ولا سيما مجموعة كودات البناء الدولية، تسهم في تعزيز سلامة المباني من خلال وضع معايير صارمة للسلامة والجودة. وأكدت أهمية اعتماد مواد وتقنيات بناء مبتكرة ومستدامة لضمان المتانة والمرونة في ظل التغيرات المناخية. وأبرزت الدراسة أن مجموعة كودات البناء الدولية تغطي جوانب متعددة لسلامة المباني، بما في ذلك سلامة الهيكليات والحماية من الحرائق وجودة الهواء الداخلي. وأشارت إلى أن الالتزام بقوانين البناء الحديثة يسهم في بنية تحتية أقوى وأكثر استدامة.
حيث تغطي مجموعة الكودات جوانب جودة الهواء الداخلي، وسلامة مواد البناء، والتصميم الهيكلي، والعديد من الجوانب أخرى. على سبيل المثال، يُعنى الكود الدولي للصرف الصحي وشبكات المياه (IPC) والكود الدولي للصرف الصحي الخاص (IPSDC) بجوانب سلامة وصحة شاغلي المباني والمحيطين بها ويضعها على رأس سلم الأولويات. وعلى نحو مماثل، يعمل الكود الدولي لترشيد الطاقة (IECC) والكود الدولي للبناء الأخضر (IgCC) على تعزيز معايير كفاءة استهلاك الطاقة وتطوير المباني عالية الأداء. ويشكّل الالتزام بقوانين البناء الحديثة معياراً ثابتاً للسلامة في كافّة المنشآت، ما يساهم في ضمان بنية تحتية راسخة الأسس. ويلعب أصحاب المصلحة دوراً هامّاً في سلامة المباني عند امتثالهم لهذه القواعد، ما يعزّز قدرة المباني والمنشآت على الصمود في وجه شتّى الظروف بشكل عام.
الاستدامة والابتكار
تُعنى وحدة خدمات التقييم (ICC-ES)، ذراع اعتماد المنتجات التابعة لمجلس الكود الدولي، بتقديم مجموعة واسعة من الخدمات للارتقاء بأفضل الممارسات في مجال الاستدامة والابتكار. وتمثّل تقارير خدمات التقييم (ESRs) أسساً مفيدة في توجيه الشركات المصنعة لتزويد السوق بمنتجات مبتكرة تضمن الامتثال لمعايير السلامة الصارمة.
علاوة على ذلك، تتعاون الوحدة مع المنظمات الدولية المتخصصة في إرساء المعايير وأصحاب المصلحة في القطاع بشأن مبادرات الحد من الانبعاثات الكربونية، بما يشمل تطوير معايير القبول لتقييم أداء الأسمنت الصديق للبيئة في المباني، ما يثمر بالتالي عن دعم جهود الاستدامة في القطاع الإنشائي.
أمّا المبادرة الهامة الأخرى التي أقدمت عليها وحدة خدمات التقييم، فتتمثل في تطوير معايير تعنى بمعالجة انبعاثات غازات الدفيئة في مختلف مراحل دورة حياة المبنى، بدءاً من التصميم والإنشاء وحتى العمليات الدائمة، فمن خلال دمج مبادئ الاستدامة في كل مرحلة من مراحل تطوير المبنى وتشغيله، تساهم الوحدة في التحوّل الإيجابي نحو بيئة مبنيّة أكثر استدامة.
التطلع إلى المستقبل
يواجه عالمنا في الوقت الحالي من انتشار للحالات والظواهر الجويّة القاسية، فإنه من المتوقع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تشهد تغيرات مناخية جذرية، إذ تشير التوقعات إلى أن المناطق ستواجه موجات حرّ وجفاف طويلة الأمد في الصيف، بينما ستزداد الهطولات المطرية الغزيرة خلال أشهر الشتاء. لأجل تجاوز هذه التحديّات بكفاءة، لا بد من اتبّاع كودات صارمة للمباني ومعايير وتدابير امتثال مناسبة للمنتجات مع أنظمة راسخة الأسس للتقييم والاعتماد، حيث تلعب هذه العناصر دوراً حاسماً في تجاوز العوائق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تحول دون التشغيل الفعال، ما يضمن مرونة البنية التحتية والمناطق العمرانية في مواجهة الظروف المناخية الآخذة بالتغيّر.
مبادرة جديدة لبناء القدرات
ضمن إطار الهدف الرامي إلى تحقيق ما يقرب الصافي الصفري من الانبعاثات الكربونية وتعزيز المباني المرنة بحلول عام 2030، فإن مجلس الكود الدولي يقود مبادرة جديدة بعنوان “بناء القدرات للمباني المستدامة والمرنة”.
في إطار هذه المبادرة، يعمل المجلس على تطوير مجموعة أدوات شاملة لبناء القدرات، والتي ستكون متاحة مجاناً للسلطات ذات الاختصاص القضائي في جميع أنحاء العالم، حيث ستكون مجموعة الأدوات هذه بمثابة مصدر ودليل هامّ لتحديد وتعزيز العناصر المطلوبة ضمن الإطار التنظيمي لسلامة البناء.
علاوة على ذلك، يعدّ المجلس عضواً نشطاً في التحالف العالمي للمباني والتشييد (GlobalABC)، و الذي يركز على التصدي للتحدي المتمثل في عدم توافق المباني مع المسار الرامي إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وباعتباره الرئيس المشارك لمجموعة عمل التكيّف التابعة للتحالف، فإن مجلس الكود العالمي سيتعاون مع قيادة التحالف والأعضاء الآخرين بهدف التوعية بأهمية التكيّف، وهو ما سيتم تحقيقه من خلال مبادرة بناء القدرات التي أطلقها المجلس، ما سيسهم في رفع الأصوات الملتزمة بمعالجة هذه القضية الهامّة وإيصالها إلى حيث يجب أن تصل.