مع التقدم العلمي المتسارع وظهور تقنيات علاجية متطورة، بدأت مفاهيم الشفاء تتغير بصورة جذرية، لا سيّما في مجال الأمراض المستعصية كأنواع السرطان النادرة.

اليوم، وفي قلب العاصمة الإماراتية أبوظبي، تتبلور واحدة من أكثر التجارب الواعدة عالميًا في مجال علاج السرطان: العلاج بالخلايا التائية المعدّلة وراثيًا (CAR T-cell therapy)، الذي يمنح المرضى أملًا جديدًا في الشفاء، ويفتح فصلًا جديدًا في مشوار الطب الدقيق والصناعة العلاجية الوطنية.
هذه القفزة النوعية لا تأتي من فراغ، بل هي نتيجة رؤية إماراتية طموحة تسعى إلى ترسيخ ريادة الدولة في الصناعات الحيوية المتقدمة وعلوم الحياة، وتحويل التحديات الصحية إلى فرص، تجمع بين التميز الطبي والسيادة التصنيعية.
حول هذا الموضوع، قال الدكتور عجلان الزاكي، مدير مركز برجيل لأمراض الدم والأورام والعلاج الخلوي، خلال مشاركته في فعاليات الدورة الرابعة من معرض “اصنع في الإمارات”:نسعى إلى تطبيق تقنيات الشفاء من السرطان من خلال تصنيع، بل وتعديل، الخلايا التائية، عبر الدمج بين الهندسة الحيوية، وعلم الأورام، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في رفع نسب الشفاء وتقليص التكاليف العلاجية بشكل كبير.”
ويشرح الدكتور الزاكي أن تقنية الخلايا التائية المعدّلة تقوم على تعديل الخلايا التائية لدى المريض وراثيًا لتُبرمج على استهداف الخلايا السرطانية بدقة. وقد أثبتت فعاليتها بشكل لافت في معالجة سرطانات الدم النادرة، مثل اللوكيميا، واللمفوما، والمايلوما المتعددة، مع استمرار الأبحاث للتوسع نحو علاج الأورام الصلبة.
توطين العلاج.. إنجاز علمي واقتصادي
واحدة من أبرز ملامح هذا المشروع هي تصنيع العلاج داخل الدولة، في سابقة تسجل تحولًا كبيرًا في مشهد الرعاية الصحية الإماراتي، حيث نجحت أبوظبي في خفض تكلفة العلاج بنسبة تصل إلى 90 % مقارنة بالعلاج المستورد، ما يمنح المرضى فرصة وصول أكبر لهذا النوع من العلاجات المتقدمة. ويضيف الدكتور الزاكي “نعمل حاليًا من خلال مركز برجيل لعلاج أمراض الدم والأورام على تصنيع العلاج محليًا، وهو ما يقلّص الاعتماد على الخارج ويعزز من الاكتفاء الذاتي في صناعة دوائية معقدة ودقيقة.”
“اصنع في الإمارات”.. نقطة التقاء الطب بالصناعة
ضمن فعاليات الدورة الرابعة من معرض “اصنع في الإمارات”، الذي تستضيفه أبوظبي بين 19 و22 مايو 2025، استعرض الدكتور الزاكي هذه التجربة الرائدة كمثال حي على قدرة الدولة على توطين التكنولوجيا الحيوية الدقيقة، وتحقيق أمن صحي واقتصادي متكامل، من خلال استثمار الطاقات العلمية والكوادر الوطنية. مما يعزز من دور الدولة كمركز إقليمي في صناعة العلاج بالخلايا.
لم تعد مفاهيم الشفاء في الإمارات ترتبط بالمستقبل، بل أصبحت واقعًا ملموسًا؛ حيث تُكتب فصول جديدة في تاريخ العلاج الدقيق محليًا، بقيادة نخبة من العلماء والأطباء الإماراتيين، وباحتضانٍ كامل من منظومة صحية وطنية طموحة. إن العلاج بالخلايا التائية المعدّلة وراثيًا ليس مجرد تقنية علاجية؛ بل هو رؤية علاجية مستدامة ترسخ مكانة الإمارات كمحور عالمي في علوم الحياة والابتكار الطبي، وتمنح المرضى – ممن اعتُبر شفائهم سابقًا مستحيلاً فرصة حقيقية للحياة.