في عصرنا الرقمي المتسارع، أصبح الحصول على ما نريد في أي وقت مسألة ضغطة زر على هواتفنا الذكية. وبفضل تطور التجارة الإلكترونية، باتت المواد الغذائية تصل إلى أبوابنا بسرعة وجودة عالية. وقد أسهم هذا التطور في خلق انطباع بأن الطعام متاح بشكل دائم، خاصة في مدن الشرق الأوسط النابضة بالحركة على مدار الساعة. ولكن قلة من المستهلكين يتوقفون للتفكير في كيفية وصول هذه المنتجات الطازجة إلى رفوف المتاجر.
في مناخ الشرق الأوسط الصحراوي الحار، حيث تتجاوز درجات الحرارة في الصيف عادةً 45 درجة مئوية، يصبح تلبية الطلب على المنتجات الطازجة تحدياً كبيراً. فسواء تعلّق الأمر بالفواكه والخضروات أو بالمنتجات الحيوانية، فإن نقل هذه السلع القابلة للتلف من المزارع إلى الموائد عبر آلاف الكيلومترات والقارات يتطلب جهداً كبيراً وتخطيطاً دقيقاً، وليس مجرد السرعة.
ومع تزايد الطلب على المواد الغذائية الطازجة وخدمات التوصيل السريع، تسعى دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى تعزيز أمنها الغذائي وتقليص الاعتماد على الواردات.
وتُعد المملكة العربية السعودية مثالاً بارزاً على هذا التوجه، حيث تسعى، ضمن استراتيجيتها الصناعية الوطنية، إلى دعم التصنيع المحلي في 12 قطاعاً واعداً، من ضمنها قطاع الأغذية والمشروبات. ويشمل ذلك ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية الأساسية، مثل إنشاء مناطق متخصصة بإنتاج الغذاء في مختلف أنحاء المملكة. ومن أبرز هذه المشاريع “مجمع جدة الغذائي”، الذي تم تدشينه عام 2024، ويمتد على مساحة 11 مليون متر مربع ليصبح أكبر منشأة من نوعها في المنطقة. ويمثل هذا المشروع ركيزة أساسية في خطة المملكة لاستقطاب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في قطاع الغذاء بحلول عام 2035.
ولتحقيق هذه الرؤية الطموحة، لا بد من وجود سلسلة تبريد حديثة تجمع بين السرعة، والموثوقية، والتخصص العالي — سلسلة تبريد رقمية ومرنة وقادرة على مواكبة الطلب المتزايد في المنطقة على أمن الغذاء وراحة المستهلك. فالمحافظة على درجات حرارة مستقرة، سواء في المستودعات والمراكز اللوجستية أو أثناء التوصيل إلى المنازل، يتطلب ما هو أبعد من الشاحنات المبردة؛ بل يستلزم بنية تحتية متكاملة، مصمّمة بعناية لتتلاءم مع طبيعة المناخ القاسي في المنطقة.
وهنا يبرز دور الشركات المتخصصة في سلسلة التبريد، مثل “ايجكس”، التي توفّر بنية تحتية متطورة، وتقنيات ذكية، وحلولاً مصمّمة خصيصاً لتلبية احتياجات السوق الإقليمية. فمن خلال ابتكارات مثل التتبع الجغرافي الحي (GPS) والرصد المستمر لدرجات الحرارة، يحصل الموزعون والمستهلكون على رؤية واضحة وراحة بال تامة. وتُعد حلول التعبئة المتقدمة، كالمواد متغيرة الطور (PCM)، عنصراً أساسياً في الحفاظ على درجات الحرارة المثلى في ظل حرارة الخليج الشديدة، مما يضمن بقاء المنتجات طازجة أثناء النقل لمسافات طويلة أو خلال المرحلة الأخيرة من التوصيل. بالإضافة إلى ذلك، تساهم المنشآت المتخصصة، والبروتوكولات الدقيقة في التعامل، والكوادر المدرّبة بكفاءة عالية، في توفير القدرة التشغيلية اللازمة لمواكبة الطلب المتنامي في السوق.
غير أن البنية التحتية وحدها لا تكفي. لتحقيق الأهداف التجارية والوطنية المرجوة ، يجب على خبراء سلسلة التبريد الالتزام بالمعايير التنظيمية الصارمة، مثل تلك التي أصدرتها الهيئة العامة للغذاء والدواء في المملكة العربية السعودية، وتبني أفضل الممارسات العالمية، بما في ذلك معايير التوزيع الجيد. فهذه المعايير تضمن الحفاظ على جودة وسلامة المنتجات الحساسة للحرارة على امتداد سلسلة الإمداد، من التخزين وحتى مرحلة التوصيل الأخيرة. والامتثال لهذه المعايير ليس مجرد مسألة تتعلق بالصحة العامة، بل هو أيضاً عنصر جوهري في ترسيخ ثقة المستهلكين في خدمات التجارة الإلكترونية للمنتجات الغذائية. من هنا، يصبح التنسيق التنظيمي شريكاً أساسياً للابتكار والاستثمار في البنية التحتية.
تشكل هذه الأدوات ضماناً موثوقاً بأن المنتجات الغذائية تم حفظها طازجة وآمنة طوال مسارها، مما يوفر راحة البال للموزعين والمستهلكين على حد سواء. ومع ذلك، فإن تحقيق الإمكانات الكاملة للتجارة الإلكترونية في قطاع الأغذية، وضمان الأمن الغذائي في المستقبل، يتطلب استثماراً مستداماً في تدريب الكفاءات المؤهلة، وتعزيز تبنّي التكنولوجيا على امتداد سلسلة التبريد. إلى جانب ذلك، يظل التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص عنصراً جوهرياً، بما يشمل تطوير الأطر التنظيمية وتحديد معايير واضحة تضمن الامتثال وتعزز فعالية المنظومة بأكملها.
التحدي واضح في دول الخليج، وكذلك الفرصة. فسلسلة التبريد المبتكرة لم تعد مجرد وسيلة لتعزيز الأمن الغذائي، بل أصبحت ركيزة أساسية تمسّ قدرة الدول على الصمود، وصحة مجتمعاتها، وجودة تجربة المستهلك اليومية. والواقع أن امتلاك سلسلة تبريد ذكية لم يعد رفاهية، بل ضرورة وطنية. فلا يمكن تحقيق الطموحات الخليجية في مجال أمن الغذاء من دون توفير البنية التحتية الحديثة والمعرفة المتخصصة التي تُمكّن من بناء منظومة غذائية مستدامة وقادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي.
تشرف جاستينا ليمان على الفرق التشغيلية والتجارية في وحدة “حلول سلسلة التوريد المبردة والرعاية الصحية” في ايجكس. كما تتولى تحديد الاتجاه الاستراتيجي القصير والطويل الأمد لهذه الوحدة، وتشرف على مجموعة كاملة من منتجات ايجكس في مجال سلسلة التوريد المبردة، بما في ذلك خدمات النقل البري “B2B” عبر المسافات الطويلة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تشمل الطرود المبردة، وشحنات الحاويات الكاملة، وخدمات التخزين المبردة.