تشيع الأخطاء في صياغة المواد الصحفية والإعلامية لأسباب كثيرة يضيق المقام عن حصرها، أبرزها: الجهل بخصائص الكتابة الصحفية، ومجافاة قواعد اللغة العربية، والعجز عن تذوقها، وعدم القدرة على وضع الكلمة المناسبة في مكانها الصحيح.
وقبل أن نستعرض عشرين خطأ وقعت في صياغة خبر واحد، أقر بأنني لست معنيا بـ”منْ كتب” ولا أتعقب آثار أحد؛ فغايتي الإفادة بـ”ما كتب”.
من أبرز الأمثلة على أخطاء الكتابة الصحفية ما يأتي:
هذا النموذج نشرته صحيفة كبرى، واشتمل على أكثر من عشرين خطأ في صياغته، أبرزها:
أولا: عنوان هذا الخبر
1000 فرصة عمل لمحو 5 خمسة آلاف أمي بسوهاج
يبعث هذا العنوان على السخرية والأسى في وقت واحد، إذ يؤكد توفير ألف وظيفة لمحو خمسة آلاف شخص “أمي” بسوهاج.
وليس معقولا بأي حال أن يكون هدف تلك الوظائـف محو الأشخاص “الأميين” أنفسهم، وإنما الصحيح هو محو “أميتهم”.
والصواب تعديل العنوان على النحو الآتي:
ألف فرصة لمحو أمية خمسة آلاف بسوهاج
وذلك بإحلال الصفة “أمية” محل الموصوف “أمي”.
ثانيا: ملاحظات على صياغة النص
ـ بدأ الموضوع بهذه الفقرة:
“تم توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين الهيئة العامة لتعليم الكبار والمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بمحافظة سوهاج من خلال 1000 طالب وطالبة لمحو أمية 5 آلاف أمي”.
الصواب استخدام جملة “وقعت الهيئة” في أول الفقرة بدلا من “تم توقيع”، لأن التعبير “تم توقيع” لا يبرز “الفاعل” الحقيقي للحدث بشكل مباشر، فالفاعل في جملة “تم توقيع” كلمة “توقيع” بينما الحقيقة الخبرية المهمة هي أن الفاعل “الهيئة العامة لتعليم الكبار والمعهد العالي للخدمة الاجتماعية”.
كما أن البدء بالفعل “وقّع” يغنينا عن ست كلمات زائدة تصدرت الخبر دون حاجة إليها، وهي: “تم توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين…”.
فالصواب أن يبدأ الخبر بهذه العبارة:
“وقعت الهيئة العامة لتعليم الكبار والمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بمحافظة سوهاج اتفاقية …”
ـ يجب تأخير التعبير “من خلال 1000 طالب وطالبة” إلى نهاية الفقرة، ليكون النص: “محو أمية خمسة آلاف من خلال ألف طالب وطالبة”.
أما دلالتها في مكانها الحالي بالعبارة فلا تستقيم مع الواقع، إذ يستحيل أن يكون المقصود: “تم توقيع بروتوكول….. من خلال 1000 طالب وطالبة” أي أنهم شاركوا في التوقيع، وهذا المعنى غير صحيح، وليس مقصودا من المحرر.
ـ من الجائز الاستغناء عن كلمة “وطالبة” والاكتفاء بكلمة “طالب” الدالة على المذكر والمؤنث.
ـ يجب استخدام كلمة “اتفاقية” أو “اتفاق” بدلا من كلمة “بروتوكول” لتكون الصياغة الصحيحة لهذه الفقرة هكذا:
“وقعت الهيئة العامة لتعليم الكبار والمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بمحافظة سوهاج اتفاقية، لمحو أمية خمسة آلاف، من خلال ألف طالب”.
ـ جاءت الفقرة الثانية من الموضوع هكذا:
“وصرح الدكتور فوزي العمدة عميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية أن المعهد سيشارك كافة طوائف المجتمع السوهاجي لمواجهة مشكلة الأمية سواء بمحو أمية عمال المعهد أو المواطنين في مدن وقرى المحافظة بتحفيز طلاب المعهد بالمشاركة في ذلك وصرف مكافأة لهم قدرها 50 جنيها عن كل دارس ناجح بعد الامتحان”.
ـ ورد بالفقرة: “وصرح … أن”.. والصواب: “وصرح بأن”.
ـ كما ورد بالفقرة: “المعهد سيشارك كافة طوائف المجتمع السوهاجي..”. والصواب: “المعهد سيشارك طوائف المجتمع السوهاجي كافة..”. فكلمة “كافة” ينبغي أن تأتي في نهاية هذه الجملة؛ لتضيف معنى جديدا، باعتبارها “حالا”.
فإذا لم تكن كلمة “كافة” مستساغة في موضعها بنهاية الجملة يمكن استخدام كلمة “جميع” أو “كل” بدلا منها، لتصبح الجملة: “المعهد سيشارك طوائف المجتمع السوهاجي جميعها…”.
ـ كان الأفضل الاكتفاء بتعبير “عميد المعهد” دون ذكر بقية اسم المعهد، لأنه مذكور في الفقرة السابقة، أي أنه أصبح معروفا، والمعروف لا يُعرّف مرتين في خبر واحد.
ـ ورد بالفقرة: “بتحفيز طلاب المعهد بالمشاركة في ذلك”.. والصحيح “على المشاركة”.
وعلى الرغم من هذه التصويبات فإن الخبر لم يكن في حاجة إلى نحو خمس
وعشرين كلمة بهذه العبارة، فتلك الكلمات واجبة الحذف، لأنها “تكرار” واضح لما ورد في العبارة الأولى، فلا حاجة إلى القول:
“وصرح الدكتور فوزي العمدة عميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية أن المعهد سيشارك كافة طوائف المجتمع السوهاجي لمواجهة مشكلة الأمية سواء بمحو أمية عمال المعهد أو المواطنين في مدن وقرى المحافظة..”.
فالفقرة الأولى “مقدمة الخبر” أكدت بكلمات واضحة أن المعهد العالي للخدمة الاجتماعية سيشارك في محو الأمية بمحافظة سوهاج من خلال ألف من طلابه، ومن ثم فلا حاجة إلى “تكرار” هذه الحقيقة الخبرية ولو بألفاظ أخرى، لأن التكرار يبعث على الملل، ويصيب الكتابة بالركاكة والضعف، ويفقدها التشويق والجاذبية.
وكان الأجدر أن تركز هذه العبارة على المعلومات الجديدة، هكذا:
“وصرح الدكتور فوزي العمدة عميد المعهد بأن المعهد سيحفز الطلاب على المشاركة بصرف مكافأة قدرها 50 جنيها للطالب عن كل دارس ناجح بعد الامتحان”.
ـ جاءت الفقرة الثالثة من الموضوع هكذا:
“وأضاف أن البروتوكول يهدف إلى محو أمية 5 آلاف أمي وأمية من خلال تكليف كل طالب في السنتين الثالثة والرابعة بالمعهد بمحو أمية خمسة أميين كما سيقوم المعهد بتجميع الملفات الخاصة بالدارسين الذين تنطبق عليهم الشروط المتبعة”.
يُعاب على هذه الفقرة أنها تعد تكرارا للمعلومات الواردة في الفقرتين السابقتين.. ومن ذلك:
ـ “البروتوكول يهدف إلى محو أمية خمسة آلاف أمي وأمية”.. فهذه المعلومة موجودة في الفقرة الأولى: “تم توقيع بروتوكول… لمحو أمية خمسة آلاف أمي”.
ـ “تكليف كل طالب في السنتين الثالثة والرابعة بالمعهد بمحو أمية خمسة أميين”.. وهذه موجودة في الفقرة الأولى أيضا: “من خلال 1000 طالب وطالبة لمحو أمية خمسة آلاف”.
الجديد في هذه الفقرة هو:
ـ تحديد طلاب السنتين الثالثة والرابعة للمشاركة دون غيرهم، ومن اليسير دمج هذه المعلومة في الفقرة التي تتحدث عن مشاركة الطلاب على النحو الآتي:
“وقعت الهيئة العامة لتعليم الكبار والمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بمحافظة سوهاج اتفاقية، لمحو أمية خمسة آلاف، من خلال ألف طالب بالسنتين الثالثة والرابعة…”.
ـ أن المعهد سيقوم بتجميع الملفات الخاصة بالدارسين على أن تنطبق عليهم الشروط المتبعة.
فالصواب أن تكون الفقرة الثالثة على هذا النحو:
“وأضاف أن المعهد سيجمع الملفات الخاصة بالدارسين الذين تنطبق عليهم الشروط المتبعة”.
ـ جاءت الفقرة الثالثة والأخيرة من الموضوع هكذا:
“ويقول العميد عيد مدكور مدير فرع الهيئة العامة لتعليم الكبار بسوهاج أن الهيئة سوف توفر جميع المستلزمات للعملية التعليمية طبقا لأعداد الدارسين”.
ـ يعاب على هذه الفقرة أنها تتضمن تكرارا لتعريف “الهيئة العامة لتعليم الكبار بسوهاج” الذي ورد في صدر الفقرة الأولى من الخبر، والصواب الاكتفاء بتعبير “مدير فرع الهيئة”، بالإضافة إلى اختصار الكلمات الزائدة، لتحل كلمة “إنها” محل “إن الهيئة”… وكلمة “ستوفر” محل “سوف توفر”… والتعبير “المستلزمات التعليمية للدارسين” محل “جميع المستلزمات للعملية التعليمية طبقا لأعداد الدارسين” لتصبح الفقرة الأخيرة على النحو الآتي:
“وقال العميد عيد مدكور مدير فرع الهيئة: إنها ستوفر المستلزمات التعليمية للدارسين”.
ثالثا: دروس عامة من الخبر:
ـ جاء الخبر في شكل فقرة واحدة خالية تقريبا من علامات الترقيم، الأمر الذي يصيب القارئ بالملل، ويجعل فهمه صعبا عليه.
ويمكن بسهولة تحويل النص إلى أربع عبارات مستقلة في الشكل، ومتكاملة في المعنى، لتيسير قراءته، وفهمه.
ـ وردت كلمة “بروتوكول” في النص مرتين، ويمكن استخدام كلمة “اتفاقية” محل الأولى منها، وحذف الثانية.
ـ جاءت كلمتا “أمية” و”أمي” في الخبر عشر مرات، وهو عدد كبير، ويمكن الاكتفاء بذكرها مرتين فقط، إحداهما بالعنوان،
والثانية في النص.
ـ ورد بالخبر التعبير “من خلال” مرتين، ويمكن استخدامه مرة، والاستغناء عنه في الأخرى.
ـ يجب ربط الفعل “صرّح” بحرف الجرّ “الباء” (صرح + اسم المصدر أو صفته + بأن أو بأنه).
ـ حرف التوكيد “إن” يأتي دائما مكسور الهمزة بعد الفعل “قال ـ يقول”.. (قال + اسم المصدر أو صفته + نقطتان فوقيتان (:) + إن أو إنه).
ـ الفعل “أضاف” يأتي بعده الحرف “أن” مفتوح الهمزة (أضاف + اسم المصدر أو صفته + أن أو أنه).
وهكذا تكون الصياغة الأقرب إلى الصواب لهذا الخبر على النحو الآتي:
اتفاقية لمحو أمية خمسة آلاف بسوهاج
وقعت الهيئة العامة لتعليم الكبار والمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بمحافظة سوهاج أمس اتفاقية لمحو أمية خمسة آلاف، من خلال ألف طالب بالسنتين الثالثة والرابعة بالمعهد.
وصرح الدكتور فوزي العمدة عميد المعهد بأن المعهد سيشجع الطلاب على المشاركة بصرف مكافأة قدرها 50 جنيها للطالب عن كل دارس ناجح بعد الامتحان.
وقال العميد عيد مدكور مدير فرع الهيئة: إنها ستوفر المستلزمات التعليمية للدارسين.