دشّن صندوق أبوظبي للتنمية مشروع تطوير نظم الإنتاج الزراعي في كاراكالباكستان – أوزبكستان، وذلك خلال زيارة ميدانية رفيعة المستوى إلى مواقع المشروع الممول من الصندوق بعنوان “تطوير أنظمة إنتاج زراعي مستدامة في الأراضي المتدهورة في كاراكالباكستان”. ويُعد المشروع ثمرة تعاون مشترك بين الصندوق، ويتم تنفيذه بالتعاون مع حكومة أوزبكستان ممثلة بوزارة البيئة وحماية البيئة والتغير المناخي، ووزارة الزراعة – إلى جانب المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا)، والمركز الدولي للابتكار في حوض بحر الآرال (IICAS)، ومعهد كاراكالباكستان للبحوث الزراعية (KARI).
وقد هدفت الجولة إلى الاطلاع على سير العمل واستعراض التقدّم المُحرَز في هذه المبادرة المشتركة الرامية إلى استعادة الإنتاجية الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود في البيئات الجافة والمالحة في منطقة بحر الآرال.
وتم التدشين خلال حفل رسمي بحضور سعادة محمد سيف السويدي، مدير عام صندوق أبوظبي للتنمية، وسعادة أورينباييف أمانباي تيوباييفيتش، رئيس المجلس الأعلى (جوكارغي كينيس) لجمهورية كاراكالباكستان، وسعادة الدكتورة طريفة الزعابي، المدير العام للمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا)، وسعادة بخيتجان خاكيمولايف، مدير مركز الابتكار الدولي لحوض بحر الآرال وسعادة الدكتور بيكمورات توردیشيف، المدير العام، معهد كاراكالباكستان للبحوث الزراعية إلى جانب وفد من الصندوق، وعدد من العلماء والمزارعين، وممثلين بارزين عن المراكز البحثية الزراعية والجهات المعنية والشركاء.
ويهدف المشروع، الذي أطلق عام 2022 بتمويل من صندوق أبوظبي للتنمية بقيمة 18.7 مليون درهم (5 ملايين دولار أمريكي)، إلى تحسين الإنتاجية من خلال إدخال أنظمة زراعية متكاملة لمساندة المجتمعات المحلية، وتمكينها من مواجهة تحديات الجفاف والتصحّر وتدهور الأراضي الناجمة عن أزمة بحر الآرال، حيث يعتمد على إدخال محاصيل مقاومة للجفاف والحرارة والملوحة، وتطبيق أنظمة متقدمة لإدارة المياه والتربة، إلى جانب ابتكار أنماط حديثة تعزز الأمن الغذائي وتدعم استدامة سبل العيش، كما يتضمن اختبار أكثر من 20 نوعاً من المحاصيل المقاومة للظروف المناخية القاسية في ثلاثة مواقع نموذجية.
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن المشروع تطوير بنية تحتية حديثة للري والصرف، وإنشاء بيوت محمية منخفضة التكلفة، ووحدات لإكثار البذور، إلى جانب نظام متكامل يجمع بين الزراعة وتربية الأحياء المائية، بحيث يدمج المحاصيل المقاومة للملوحة مع إنتاج الأسماك لتحقيق أقصى قدر من كفاءة استخدام الموارد. ويُعد بناء القدرات أحد المكونات الأساسية للمشروع، حيث يجري تدريب ما يقارب ألفي متخصص ومزارع على أحدث الممارسات والتقنيات المتقدمة، بما يضمن تحقيق نتائج مثلى واستدامة طويلة الأمد لهذا القطاع الحيوي.
ومن جانبه، أفاد سعادة محمد سيف السويدي: “يعكس هذا المشروع رؤية قيادتنا الرشيدة والتزامنا المشترك بتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ولا سيما تعزيز الأمن الغذائي على مستوى العالم. كما يدعم النهج الاستراتيجي الذي يتبعه الصندوق في تطبيق الحلول المبتكرة، وتعزيز الشراكات الفاعلة، وتمكين تبادل الخبرات بين الدول. ومن خلال مثل هذه المشاريع، نهدف إلى تمكين المجتمعات من مواجهة التحديات البيئية، والتكيف مع متغيرات المناخ، وبناء اقتصادات قوية”.
وأضاف سعادته: “يتجاوز هذا المشروع تركيزه على الجانب الزراعي فحسب، ليسهم في تعزيز مرونة الاقتصاد بشكل أشمل، ويفتح آفاقاً جديدة تتماشى مع الأجندة الوطنية للتنمية لأوزبكستان ورؤيتها الطموحة على المدى البعيد لمستقبل شامل ومستدام. كما أن تعاوننا مع جمهورية أوزبكستان في هذا المشروع الريادي يجسد حرص صندوق أبوظبي للتنمية على تحقيق أثر ملموس يعود بالنفع على الأجيال الحالية والقادمة”.
وقالت سعادة الدكتورة طريفة الزعابي، المدير العام للمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا): “نفخر بشراكتنا مع صندوق أبوظبي للتنمية لأننا من خلال هذه الشراكة نجسد نموذج لمشروع علمي وعملي يحول التحديات إلى فرص ويعزز نموذج ناجح للاستثمار الاستراتيجي. ومن خلال تمكين الشركاء في أوزبكستان، عملنا على اختبار أكثر من عشرين نوع من المحاصيل المتحملة للملوحة والجفاف ذات عناصر تغذوية مهمة، إلى جانب تطوير نظام متكامل الأول من نوعه في أوزبكستان يجمع بين انتاج الخضروات والطحالب والإنتاج السمكي مع المحافظة. على الاستخدام الأمثل للمياه، كما شمل المشروع برامج توعوية وتدريبية لبناء قدرات المزارعين على الانتاج واستدامة الممارسات الزراعية الخاصة بالبيئات الجافة المالحة”.
وأضافت الدكتورة الزعابي: “إن القيمة الحقيقية للمشروع لا تكمن فقط في استصلاح الأراضي أو إدخال تقنيات جديدة، بل في تعزيز قدرة المجتمعات الزراعية على الصمود، وفتح آفاق جديدة لتحقيق الأمن الغذائي والمائي المستدام في دول الجنوب”.
من جانبه، قال السيد بخيتجان خاكيمولايف، مدير مركز الابتكار الدولي لحوض بحر الآرال: “يجسّد اجتماع اليوم معاني الثقة والتعاون والتضامن. فمنذ عام 2019، نفّذ المركز بالتعاون مع المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) عدداً من المشاريع العلمية والعملية، من بينها مبادرة الزراعة المستدامة في كاراكالباكستان، بدعم من صندوق أبوظبي للتنمية وشركاء آخرين. وقد أسهم هذا المشروع في إنشاء حقول تجريبية، واختبار محاصيل وتقنيات مقاومة للملوحة، واستفاد منه أكثر من ألف مزارع، كما حاز على جائزة ’إنرجي غلوب‘لعام 2024. واليوم، نطلق مشروعاً تجريبياً جديداً حول النظم الزراعية – المائية المتكاملة، يهدف إلى الجمع بين زراعة المحاصيل وتربية الأسماك مع تحقيق الاستخدام الأمثل للمياه. وتُسهم هذه الجهود في تعزيز الأمن الغذائي، ودعم التكيف مع تغير المناخ، وتحسين سبل العيش في منطقة بحر الآرال، إلى جانب إبراز الدور الفاعل لأوزبكستان في مواجهة التحديات البيئية العالمية. كما نعبّر عن خالص امتناننا للشركاء الدوليين على دعمهم المتواصل”.
ويمثل هذا المشروع محطة فارقة لكاراكالباكستان، إذ ينقل المنطقة من تحديات التدهور البيئي إلى مستقبل يقوم على الزراعة المستدامة من خلال تحسين جودة التربة، وترشيد استخدام المياه، تحسين جودة حياة المجتمعات المحلية. ومن خلال الدمج بين الابتكار العلمي وتمكين المجتمعات، يقدم المشروع نموذجاً استشرافياً يوازن بين احتياجات الإنسان ومتطلبات الاستدامة البيئية، مما يرسخ أسس مستقبل أكثر صموداً وازدهاراً للأجيال القادمة. ومع سعي المجتمع الدولي إلى إيجاد مسارات قابلة للتوسع لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يبرز هذا المشروع كنموذج عملي للتعاون الثلاثي في إطار التعاون جنوب–جنوب.