ارتفاع ملحوظ لمؤشر الاستقرار المالي في الدول العربية في نهاية عام 2022
جهود متواصلة للمصارف المركزية ومؤسسات العربية لتطوير الإطار المؤسسي والتشريعي وتهيئة البنية التحتية المواتية للقطاع المالي
متانة مؤشرات القطاع المصرفي لدى الدول العربية
ارتفاع حجم الموجودات والتسهيلات الإئتمانية والودائع لدى القطاع المصرفي العربي خلال عام 2022
تمتع القطاع المصرفي في الدول العربية بمستويات مرتفعة من كفاية رأس المال بلغت 17.4 في المائة بالمتوسط في نهاية عام 2022، وبهامش مريح عن الحد الأدنى المقرر بموجب متطلبات بازل Ⅲ
تحسن جودة الإئتمان للعام الثاني على التوالي لتسجل حوالي 8 في المائة بالمتوسط في نهاية عام 2022، وتحقيق مستويات مريحة في نسبة تغطية المخصصات
ارتفاع مؤشرات السيولة والربحية والكفاءة التشغيلية لدى القطاع المصرفي العربي في نهاية عام 2022
أهمية متابعة تطوير المؤسسات المالية غير المصرفية وتقييم مخاطرها بشكل مستمر
أهمية مواصلة تقييم المخاطر والتحديات الناجمة عن التطورات العالمية الراهنة والضغوط التضخمية بالرغم من أثرها المحدود على القطاع المصرفي العربي
إختبارات الأوضاع الضاغطة التي تم إجراؤها في عام 2022 كشفت مرونة وصلابة القطاع المصرفي العربي وقدرته على تحمل الصدمات المالية والإقتصادية المحتملة
أصدر صندوق النقد العربي التقرير السادس حول الإستقرار المالي في الدول العربية، الذي تم إعداده بالتعاون والتنسيق بين صندوق النقد العربي وفريق عمل الإستقرار المالي في الدول العربية، المنبثق عن مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية.
تناول التقرير بفصوله التسعة عدة جوانب اقتصادية ومالية تهم الدول العربية، في إطار سعيها لتعزيز الإستقرار المالي، حيث تطرق الفصل الأول إلى التطورات الإقتصادية الإقليمية والدولية وإنعكاساتها على الإستقرار المالي في الدول العربية. تم إلقاء الضوء في هذا الفصل على التحديات التي تواجه إقتصادات الدول العربية وأثر الإنعكاسات المتوقعة على الاستقرار المالي، وقد بين الفصل أن الدول العربية استمرت في الحفاظ على الإستقرار المصرفي والمالي، ذلك بفضل السياسات الاقتصادية والمصرفية التي ساعدت على تقليل حدة آثار تداعيات التطورات العالمية الراهنة لا سيما التوترات في القارة الأوروبية والضغوط التضخمية. أكد التقرير على أهمية مواصلة المصارف المركزية العربية تقييم المخاطر النظامية ودراسة الإرتباطات المحتملة المباشرة وغير المباشرة بين التطورات العالمية الراهنة والإستقرار المالي.
تناول الفصل الثاني تطورات الأطر التشريعية والمؤسسية للإستقرار المالي وتعزيز البنية التحتية للقطاع المالي والمصرفي في الدول العربية، حيث بيّن جهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية الرامية لتطوير الأطر المؤسسية والتشريعية لتعزيز الاستقرار المالي، بما في ذلك جهود التنسيق مع السلطات الإشرافية الأخرى. كذلك تطرق الفصل إلى تطورات نظم البنية التحتية للقطاع المالي والمصرفي في الدول العربية، في إطار سعيها لتحقيق الإستقرار المالي من خلال تأسيس وتطوير الإشراف على بنية تحتية مالية ومصرفية متوافقة مع أحدث الممارسات الدولية، بما تتضمنه من أنظمة مصرفية ورقابية حديثة وبما يحقق التطور وزيادة الموثوقية في الخدمات المقدمة من المؤسسات المالية والمصرفية. أظهر التقرير تواصل الجهود في تطوير نظم الدفع والتسوية ونظم المعلومات الائتمانية، كما تطرق إلى العديد من الجوانب التي شملت: تعزيز إستقلالية المصارف المركزية، وإطار السياسات الإحترازية الجزئية والكلية، وجوانب الحوكمة والشفافية والمساءلة والإفصاح.
خُصص الفصل الثالث لتطورات أداء القطاع المصرفي العربي والمخاطر المحتملة، حيث بيّن أبرز المؤشرات المالية المتعلقة بالقطاع المصرفي العربي الذي يبلغ حجم موجوداته في نهاية عام 2022 حوالي 4.1 ترليون دولار أمريكي، يمثل ما نسبته 126 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية. حيث إرتفع كل من حجم الموجودات والتسهيلات الإئتمانية والودائع لدى القطاع المصرفي في نهاية عام 2022 بمعدل 2.8 في المائة و7.7 في المائة و1.3 في المائة على التوالي، الأمر الذي يعكس ثقة العملاء والسوق في القطاع المصرفي، وكفاءة سياسات البنوك في تعبئة المزيد من المدخرات، وإعتماد البنوك على أعمالها الرئيسة المتمثلة بالوساطة المالية، ونجاح إستراتيجيات و/أو برامج الشمول المالي التي تبنتها السلطات الرقابية، والأثر الإيجابي للخدمات المالية التي تعتمد على التقنيات المالية بما يُعزز من فرص الوصول إلى الخدمات المالية.
أما فيما يخص مؤشرات المتانة المالية لدى القطاع المصرفي في الدول العربية، فقد أظهر التقرير تميّز القطاع المصرفي العربي بملاءة مالية مرتفعة، إذ وصل متوسط نسبة كفاية رأس المال للقطاع المصرفي العربي إلى نحو 17.4 في المائة في نهاية عام 2022، وهي نسبة أعلى من تلك المستهدفة دولياً حسب معيار بازل Ⅲ البالغة 10.5 في المائة، الأمر الذي يُشير إلى تمتع القطاع المصرفي العربي بملاءة عالية بما يعزز من قدرته على استيعاب أية خسائر محتملة. كما تجدر الإشارة إلى أن القطاع المصرفي العربي حقق مستويات جيدة من نسبة رأس المال الأساسي إلى الموجودات المرجحة بالمخاطر (رأس المال الأعلى جودة)، إذ بلغ 16.0 في المائة في نهاية عام 2022، بما قد يعكس تحفظ القطاع المصرفي وتحوطه لمواجهة أي صدمات غير متوقعة من خلال بناء هوامش رأس مال إضافية من الأصول عالية الجودة. إضافةً لذلك، إتبعت المصارف المركزية نهجاً تحفظياً بخصوص متطلبات بازل III المتعلقة بكفاية رأس المال، من خلال إصدار تعليمات ومتطلبات رقابية تتضمن إلزام البنوك التجارية بالإحتفاظ بنسب أعلى من تلك المقررة في متطلبات بازل III، الأمر الذي عزز قاعدة رأسمال البنوك ودعم متانتها وقدرتها على مواجهة المخاطر.
أما بالنسبة لجودة الأصول، فقد نجح القطاع المصرفي في الدول العربية في تخفيض متوسط نسبة التسهيلات غير العاملة إلى التسهيلات الإئتمانية للعام الثاني على التوالي، وذلك بعد أن إرتفعت النسبة بفعل جائحة كورونا خلال عام 2020، إذ بلغ متوسط النسبة حوالي 8.0 في المائة في نهاية عام 2022، مقابل 8.2 في المائة في نهاية عام 2021 وذلك بالرغم من التحديات والمخاطر المتمثلة في إرتفاع أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية لإحتواء الضغوط التضخمية، والتي قد تنعكس على أسعار الفائدة السوقية وكلف الإقراض، وبالتالي زيادة الكلف والأعباء على عملاء البنوك، لكن يُمكن القول أن تحفظ القطاع المصرفي وفعالية إدارة المخاطر لديه وتعزيز التمويل المسؤول ساهم بشكل عام في الحد من مخاطر الإئتمان، إضافةً للدور الهام الذي تلعبه مكاتب وشركات الإستعلام الإئتماني في ترشيد قرارات الإئتمان وتسعيره بناءً على مخاطر العملاء.
في نفس السياق، حافظت نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير المنتظمة على مستوياتها الجيدة في نهاية عام 2022، بالرغم من التحديات التي فرضتها أزمة جائحة كورونا، حيث بلغ متوسط النسبة حوالي 90.2 في المائة في نهاية عام 2022 مقابل 95.7 في المائة في نهاية عام 2021، علماً أن نسبة التغطية بقيت أعلى من المستويات المحققة قبل عام 2021، وبدأت العديد من الدول العربية منذ عام 2018 بتطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9 (IFRS9)، بموجب هذا المعيار، يتم بناء مخصصات إضافية بشكل تحوطي منذ اليوم الأول لمنح الإئتمان، الأمر الذي يُعزز من قدرة البنوك على مواجهة مخاطر الإئتمان، بالتالي تعزيز الاستقرار المالي. جدير بالذكر، أن تطبيق المعيار المذكور سيؤدي إلى تعزيز متانة وملاءة البنوك والتحوط للصدمات المحتملة. فالمخصصات الإضافية التي قد تنتج عن تطبيق المعيار (خاصة في بداية التطبيق) تزيد من قدرة البنوك على مواجهة المخاطر وتمثل حماية إضافية لرأس المال، حيث يعزز هذا المعيار من تحوط البنوك للمخاطر من خلال بناء مخصصات تأخذ بالإعتبار البعد التنبؤي للخسائر (بما يشمل البعد الاقتصادي) منذ اليوم الأول لمنح الإئتمان، هذا بدوره يمثل هامش تحوط إضافي يقلل العبء على رأس المال ويعزز من ملاءة البنوك.
أما عن أداء القطاع المصرفي في الدول العربية، فقد حافظ القطاع المصرفي في الدول العربية على تحقيق معدلات عائد جيدة خلال عام 2022، إذ بلغ متوسط العائد على الموجودات حوالي 1.35 في المائة في نهاية عام 2022 مقابل 1.24 في المائة في نهاية عام 2021. في المقابل، بلغ معدل العائد على حقوق الملكية 12.40 في المائة في نهاية عام 2022 مقابل 11.79 في المائة في نهاية عام 2021، مما يعكس الأداء الجيد للبنوك وكفاءتها في توظيف موجوداتها، وفاعليتها في إدارة رأسمالها وقدرتها على مواجهة الخسائر التي من الممكن أن تتعرض لها مستقبلاً.
فيما يخص مؤشرات السيولة، تُعتبر نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول من أهم النسب التي تقيس قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها بالإعتماد على أصول عالية الجودة وقابلة للتسييل بشكل أسرع من الأصول الأخرى، وقد حافظت هذه النسبة لدى القطاع المصرفي العربي على مستويات جيدة، حيث بلغت حوالي 35.3 في المائة في نهاية عام 2022، مقابل 34.9 في المائة في نهاية عام 2021. تجدر الإشارة، أن عدد من الدول العربية بدأت خلال الأعوام الماضية في تطبيق معيار نسبة تغطية السيولة ومعيار نسبة صافي التمويل المستقر اللذان يعززان من قدرة القطاع المصرفي على إدارة سيولته، حيث تقيس نسبة تغطية السيولة قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل، أما معيار نسبة صافي التمويل المستقر فيهدف إلى التأكد والتحقق من أن التمويل المستقر المتاح لدى البنك يكفي لمواجهة ومقابلة التمويل المستقر المطلوب.
أما بالنسبة للكفاءة التشغيلية للبنوك، فيُعتبر صافي هامش الفائدة من أهم العوامل التي تقيس الكفاءة التشغيلية، من خلال اعتمادها على تحقيق إيرادات من أعمالها الرئيسة المتمثلة بدورها كوسيط بين المدخرين والمستثمرين، وقد تحسنت نسبة صافي هامش الفائدة إلى إجمالي الدخل في نهاية عام 2022 لتبلغ في المتوسط 68.0 في المائة مقابل 67.7 في المائة في نهاية عام 2021.
خلص التقرير إلى أن القطاع المصرفي العربي بالرغم من التحديات والمخاطر، كان مستقراً وقادراً بشكل عام على تحمل الصدمات، ذلك في ضوء ما حققه القطاع من مستويات جيدة من رأس المال وجودة الأصول والربحية والسيولة والكفاءة التشغيلية، وهو ما يعكس جهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية.
أما الفصل الرابع، فقد تناول تطورات القطاع المالي غير المصرفي في الدول العربية والمخاطر المحتملة. تضمن الفصل تحليلاً لأداء كل من: قطاع شركات التأمين، وقطاع الأسواق المالية العربية، وقطاع مؤسسات التمويل الأصغر، وشركات التمويل الأخرى، إضافة إلى قطاع شركات الصرافة. خلص الفصل إلى أن القطاع المالي غير المصرفي في الدول العربية على الرغم من صغر حجمه مقارنةً مع القطاع المصرفي، يتميز بمتانة وإستقرار. أكد التقرير في هذا الصدد، على أهمية تنظيم كافة مؤسسات القطاع وخصوصاً شركات التمويل وإيجاد تعريف واضح له وتوفير أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات عنه، للوقوف على مخاطره وتحدياته بشكل دقيق. كما دعا التقرير إلى متابعة جهود تطوير المؤسسات والأدوات المالية غير المصرفية في الدول العربية، بالنظر لصغر مساهمة القطاع المالي غير المصرفي في تمويل الإقتصادات العربية.
قدم الفصل الخامس تحليلاً لنتائج إختبارات الضغط لدى القطاع المصرفي العربي، حيث تُعتبر هذه الإختبارات من الأدوات المهمة لقياس قدرة النظام المصرفي العربي لأي دولة على تحمل الصدمات، واكتشاف الإختلالات ونقاط الضعف، ويمكن استخدام نتائج اختبارات الضغط في عملية التخطيط الرأسمالي من خلال عملية التقييم الداخلي لكفاية رأس المال. حيث تم في هذا الصدد صياغة فرضيات متدرجة الشدة في ضوء التطورات العالمية الراهنة، التي قد ينتج عنها زيادة مخاطر الإئتمان السيادية وكذلك مخاطر التركز الائتماني، ومخاطر سعر الصرف وأسعار الفائدة، والسيولة، والمخاطر الإقتصادية. بيّن الفصل في ضوء نتائج هذه الإختبارات، أن القطاع المصرفي العربي متين، حيث حقق نتائج إيجابية في لمعظم أنواع الإختبارات لدى معظم الدول العربية.
فيما يخص الفصل السادس، فقد تناول مخاطر مديونية القطاع الحكومي على الاستقرار المالي في الدول العربية، حيث بيّن الفصل أن التأثيرات المحتملة لمخاطر مديونية القطاع الحكومي على الإستقرار المالي منخفضة في الدول العربية، ذلك في ضوء ما كشفته مؤشرات السلامة المالية ونتائج إختبارات الأوضاع الضاغطة ومؤشرات الإستقرار المالي من إيجابية أداء القطاع المصرفي في الدول العربية وقدرته على مواجهة الصدمات والمخاطر، إلا أنه من الأهمية بمكان التقييم المستمر للمخاطر المحتملة التي قد تنجم عن ارتفاع مديونية القطاع الحكومي، مثال ذلك مزاحمة القطاع الخاص على السيولة، وإرتفاع كلف الإقراض، وتراجع القيمة السوقية للأصول عالية الجودة، وإرتفاع مخاطر الإئتمان، وغيرها.
أما الفصل السابع، فقد قدم تحليلاً حول مخاطر التطورات الراهنة والضغوط التضخمية على الإستقرار المالي. في الوقت الذي بدأ فيه الإقتصاد العالمي بتجاوز تداعيات جائحة كورونا، إلا أنه إصطدم بتأثيرات التوترات في القارة الأوروبية، حيث أسهمت في إرتفاع نسب التضخم بصفة عامة، وكذلك إرتفاع الأسعار خصوصاً أسعار السلع الأساسية، ورافق ذلك إضطرار المصارف المركزية لإتباع سياسة نقدية متشددة لإحتواء الضغوط التضخمية، ساهم ذلك بدرجات متفاوتة بين الدول في حدوث آثار جانبية غير مقصودة على القطاع المالي، وإنعكاسات سلبية على مخاطر الإئتمان. كذلك فإن حالة عدم اليقين الناجمة عن التوترات في القارة الأوروبية وبيئة الاقتصاد العالمي بشكل عام، قد أضفت مزيداً من الضغوط على الأسعار العالمية وسلاسل التوريد، مع الأخذ في الإعتبار إحتمالية حدوث تحديات تتمثل في تحقيق التوازن بين أهداف السياسة النقدية المتمثلة في إستقرار الأسعار وضبط التضخم والسياسة الإحترازية الكلية المتمثلة في الحد من المخاطر النظامية وتعزيز الاستقرار المالي. أما على صعيد الدول العربية، فقد بيّن الفصل أن التطورات العالمية الراهنة بشكل عام لم تؤدِ إلى حدوث تراجع في مؤشرات السلامة المالية، لكن من المناسب قيام المصارف المركزية العربية بمواصلة تقييم المخاطر النظامية ودراسة الإرتباطات المحتملة المباشرة وغير المباشرة بين التطورات العالمية الراهنة والإستقرار المالي، وإستخدام ما يلزم من أدوات السياسة الإحترازية إذا إقتضى الأمر. كما أكد الفصل على أهمية دور إدارتي الاستقرار المالي والرقابة المصرفية لدى المصارف المركزية في التحقق المستمر من فاعلية إدارة المخاطر لدى القطاع المصرفي، ومواصلة تطبيق إختبارات أوضاع ضاغطة جزئية وكلية، تقيس مخاطر السيولة والإئتمان والتركز وأسعار الفائدة، وكذلك المخاطر الاقتصادية والمخاطر الأخرى المستجدة وأثرها على مؤشرات كفاية رأس المال والسيولة وجودة الأصول.
إستعرض الفصل الثامن، جهود الدول العربية على صعيد التطورات الحاصلة في التقنيات المالية الحديثة والعملات المشفرة والرقمية مع التطرق إلى الإجراءات المتخذة بخصوص تعزيز الأمن السيبراني والحد من التهديدات الإلكترونية وآثارها على الإستقرار المالي، حيث خطت الدول العربية خطوات هامة فيما يخص تعزيز البنية التحتية الرقمية، والاستفادة من التقنيات المالية الحديثة، وتعزيز حماية مستهلكي الخدمات المالية، والإهتمام بقضايا التثقيف والتوعية المالية. في السياق نفسه، أدى التطور المتسارع في التهديدات الإلكترونية إلى قيام العديد من المصارف المركزية والسلطات الرقابية بأخذ خطوات تنظيمية وإشرافية، تهدف إلى تجنب أثر المخاطر الإلكترونية على القطاع المصرفي والمالي وتحفيز المؤسسات المالية لتعزيز قدراتها لمواجهة تلك المخاطر. كما عززت المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية إجراءات حماية أمن المعلومات للقطاع المصرفي في ضوء التقدم التقني المتسارع والسعي المتواصل للاستفادة من مزايا التقنيات الحديثة في القطاع المصرفي والمالي. كما تطرق الفصل إلى تجارب المصارف المركزية العربية بخصوص العملات المشفرة والرقمية، حيث أكد الفصل على أهمية مواصلة المصارف المركزية تعزيز إستخدام التقنيات المالية الحديثة بشكل متناسب مع الحد من المخاطر الناشئة عنها ومواكبة أفضل المعايير والممارسات الدولية بالخصوص، ودراسة جدوى إصدار العملات الرقمية ومدى تحقيق الغاية المرجوة منها دون إحداث مخاطر نظامية تهدد الإستقرار المالي.
أخيراً، تطرق الفصل التاسع إلى مؤشر الاستقرار المالي العربي الذي تم إطلاقه في عام 2020 وفق منهجية تم إعدادها من قبل صندوق النقد العربي بالتعاون مع فريق عمل الإستقرار المالي. يأتي إطلاق المؤشر السنوي في ضوء أهمية وجود مؤشر كمي يقيس مستوى الاستقرار المالي بموضوعية ويعمل كأداة للتوجيه والإنذار المبكر، حيث ينبّه لإحتمال تعرض النظام المالي لأزمة مالية قبل وقوعها، لإتخاذ ما يلزم من سياسات وإجراءات وقائية وإستباقية. في هذا الإطار، بالرغم من التحديات والمخاطر المحيطة بالنظام المصرفي في الدول العربية، واصل مؤشر الإستقرار المالي أداؤه الجيد حيث بلغت قيمته 0.591 نقطة في نهاية عام 2022، مقابل 0.526 نقطة في نهاية عام 2021، وقد جاء إرتفاع المؤشر في عام 2022 مدفوعاً بتحسن معظم المؤشرات المصرفية والمالية والإقتصادية نتيجة الجهود التي بذلتها الدول العربية في دعم التعافي الإقتصادي بعد تداعيات أزمة كورونا، الأمر الذي إنعكس بشكل إيجابي على الإستقرار المالي. بشكل عام، بيّنت نتائج تحليل المؤشر الفرعي للقطاع المصرفي (المكون الأبرز لمؤشر الاستقرار المالي)، وجود توجه عام في الدول العربية نحو تبني سياسات إحترازية متحفظة أسهمت في تعزيز الإستقرار المالي. كما عكست نتائج المؤشر متانة ومرونة القطاع المصرفي في الدول العربية وقدرته على إستيعاب الصدمات المالية والإقتصادية.
أما على المستوى الإفرادي للدول العربية، فقد بيّن الفصل وجود إهتمام متزايد لدى الدول العربية لتطوير مقياس كمي يعبر عن حالة النظام المالي وسلامته، كمؤشر الإستقرار المالي، بما يسهل عملية المقارنة بين الدول وتحليل حالة الاستقرار المالي عبر الزمن، علماً أنه من الممكن أن تختلف المنهجيات من دولة إلى أخرى حسب طبيعة النظام المالي والبيئة الاقتصادية لتلك الدول. بالرغم من التحديات التي تواجه اقتصادات الدول العربية، إلا أن مؤشر الإستقرار المالي إرتفع في معظم الدول العربية التي تبنت منهجية إحتساب لمؤشر الإستقرار المالي، حيث بينت نتائج التحليل أن القطاع المالي والمصرفي بشكل عام في الدول العربية سليم ومتين ومستقر. من جانب آخر، تبرز أهمية قيام المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية التي لم تقم بعد بتطوير منهجية لاحتساب مؤشر الاستقرار المالي، بأن تحذو حذو المصارف المركزية الأخرى، حيث إن مؤشر الإستقرار المالي يعبر عن واقع الإستقرار المالي في أي دولة بشكل يربط بين المخاطر المالية والإقتصادية وفقاً لخصوصية كل دولة، ويعتبر أداة مكملة لأدوات إدارة المخاطر الأخرى.
بمناسبة إصدار تقرير الاستقرار المالي في الدول العربية لعام 2023، أعرب معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي عن سروره بإنجاز الإصدار السادس من تقرير الإستقرار المالي العربي، الذي يتضمن مواضيع وقضايا تهم السلطات الإشرافية العربية لتعزيز الإستقرار المالي والحد من تراكم المخاطر النظامية في القطاع المالي بشكل عام والمصرفي بشكل خاص، بما يعزز من دور القطاع المالي في تحقيق التنمية المستدامة. نوّه معاليه أن إصدار هذا التقرير جاء بالتعاون مع فريق عمل الاستقرار المالي في الدول العربية المنبثق عن مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، مؤكداً على أهمية إستمرار تواصل الجهود لتطوير الإصدارات المقبلة للتقرير ليُواكب المستجدات والتطورات المتعلقة بقضايا الاستقرار المالي، ويقدم صورة واضحة عن وضعية الاستقرار المالي في الدول العربية، والمحددات والتحديات التي تواجهها في سياق جهود السلطات الإشرافية لتحقيق الاستقرار المالي، ليساهم في دعم اتخاذ القرارات الإحترازية التي تسهم في سلامة ومنعة القطاع المالي والمصرفي العربي.
النسخة الكاملة من التقرير متاحة على الرابط التالي: