بدأت بريطانيا السبت (الأول من فبراير 2020) حياتها الجديدة خارج الاتحاد الأوروبي بتحديات كثيرة منها إعادة وحدة المجتمع الذي شهد شرخا كبيرا نتيجة الصراع بين المعسكرين الرافض والمؤيد للبريكست، وأيضا تحدي نسج علاقات جديدة مع التكتل الذي أضحى يضم 27 دولة وتحديد مكانها الجديد في العالم.
وأمام البرلمان في لندن، تبادل بريطانيون القبل وغنوا “ليحمي الرب الملكة” احتفالا باستعادة استقلالهم. وفي شمال إنكلترا المشكك في جدوى الاتحاد، أطلقت الألعاب النارية. لكن في ادنبره، أضيئت الشموع حزنا على الانفصال مع حلم عودة إسكتلندا مستقلة يوما ما إلى الحضن الأوروبي.
وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة من التقلبات، أصبح بريكست الذي أيده 52 بالمئة من الناخبين البريطانيين في استفتاء 2016، واقعا. وبعد 47 عاما من العمل الأوروبي، خسر الاتحاد للمرة الأولى دولة عضو ومعها 66 مليون نسمة. ووعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في الأشهر الأخيرة بعصر ذهبي جديد لبلده، لكن ما زالت أمامه مهام كبيرة لجعل شعاره “بريطانيا عالمية” الذي يفترض أن يرمز لبلد مستعد لمواجهة العولمة، حقيقة. فهل يلتفت جونسون إلى الولايات المتحدة التي تمد له يدها؟ هل يصبح منافسا جديدة على أبواب الاتحاد الأوروبي؟ أم بالعكس، يتقرب بقوة من الأوروبيين الذين يبقون شركاء لا يمكن الالتفاف عليهم؟
ويفترض أن يقدم رئيس بلدية لندن السابق الاثنين رؤيته في خطاب، بينما سيعرض كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه أولويات المرحلة الجديدة للمفاوضات التي تفتتح في لندن. وفي خطاب تم بثه قبل ساعة من بريكست، وعد رئيس الوزراء المحافظ البالغ من العمر 55 عاما وراهن على بريكست “بنجاح مدو (…) أيا تكن العقبات”. وقال إن “أهم شيء يجب أن نقوله مساء اليوم هو أن هذا ليس النهاية بل البداية، لحظة الفجر ورفع الستار على فصل جديد”. ووعد “ببداية عصر جديد من التعاون الودي” مع الاتحاد الأوروبي.
ويشكل الحدث التاريخي فصلا جديدا يجب كتابته، لكنه ليس نهاية الانقسامات التي مزقت بريطانيا، إذ إن مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي يشعرون بالمرارة خصوصا في المناطق التي صوت معظم ناخبيها مع البقاء في الاتحاد، في إسكتلندا وإيرلندا الشمالية.
أما الصحف البريطانية فقد بدت منقسمة بشأن الحدث. وكتبت صحيفة “تايمز” السبت “نقطة البداية: المملكة المتحدة تغادر الاتحاد الأوروبي”. أما صحيفة “ديلي إكسبرس” الشعبية فقد تصدرها العنوان “مملكة متّحدة جديدة مجيدة”. من جهتها، رأت صحيفة “ديلي تلغراف” المؤيّدة لبريكست والمقرّبة من جونسون فقالت في افتتاحيتها “حسناً فعل الشعب البريطاني، وأخيراً خرجنا”، مؤكّدة أنّ رئيس الوزراء يعتزم فرض رقابة جمركية على المنتجات الأوروبية.
وبالتأكيد، فإن هذه اللحظة تاريخية لكنها لن تؤدي إلى تغييرات كبيرة على الفور. فلإنجاز الانفصال بهدوء، ستواصل المملكة المتحدة تطبيق القواعد الأوروبية حتى 31 كانون الأول/ديسمبر من العام الجاري. وفي بروكسل وبدون أي تصريحات، اختفى علم بريطانيا من مؤسسات الاتحاد الأوروبي وحل ضيفا على مكونات المتحف الأوروبي إلى حين.